رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤامرات إخوانية فى موسم الحج


قبل موسم الحج، يجب أن ننتبه من الآن إلى استغلال الإخوان تلك المناسك المقدسة لتحقيق أغراض التنظيم، وترتيب المؤامرات، وعقد اجتماعات للتنظيم الدولى بعيدًا عن عيون الأمن التى لا يمكن أن ترصد تحركاتهم وسط الملايين الذين تزدحم بهم المناسك، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قال فى سورة الحج «وأذن فى الناس بالحج»، وقال أيضًا «ليشهدوا منافع لهم» لذلك كتب المفسرون كثيرًا عن تفسيرهم للمنافع، إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية اتجهت إلى توسيع مفاهيم المنافع، فأضافت لها الالتقاء فى موسم الحج لإدارة خطط التنظيم الدولى وتحديد مساره وتمويله، وجمع التبرعات لتمويل المعارك الإرهابية تحت غطاء الدين!
لم يعد الحج غاية وعبادة قائمة بذاتها تجنح لشعائره قلوبُ العباد، وتهفو إليه أفئدةُ المسلمين، ولكنه أصبح وسيلة لإنشاء التنظيمات السرية التى ترغب فى الانقلاب على أنظمة الحكم فى بلادها وفرض أفكارهم المتطرفة بالقوة، وأظن أنه لم يخطر على بال أحد أنه من الممكن أن يُستغل موسم الحج والوقوف فى عرفة ومنى، والمبيت فى مزدلفة من أجل إنشاء تنظيمات سرية باطنية تُظهر الاعتدال وتخفى التشدد والتكفير، ثم تمارس الإرهاب بعد ذلك عيانًا بيانًا! وبدلًا من الطواف حول الكعبة المكرمة، يكون الطواف حول مقر اجتماع التنظيم الدولى، وبدلًا من السعى بين الصفا والمروة، يكون السعى فى منى بين مخيمات المصريين ومخيمات الأتراك والإيرانيين، أو السعى بين البنوك التى سيتم تحويل الأموال من خلالها، وبدلًا من المبيت فى مزدلفة، يكون المبيت لأفراد التنظيم فى فندق زمزم جراند، أفخم الفنادق التى تطل على الحرم المكى، حيث سيكون الاجتماع الختامى لأفراد التنظيم، وإذا كان السلفيون يقولون فى دروسهم: ينبغى تحويل العادة إلى عبادة، إلا أن العبادة تحولت على يد الإخوان إلى عادة وسياسة وتنظيمات سرية ووسيلة دنيوية، مستشهدين فى ذلك بالآية الكريمة «ليشهدوا منافع لهم»!.
ليس الأمر جديدًا على الإخوان إذن ولكن كانت له جذور، فقد كان حسن البنا مرشدهم الأول هو أول من استن عادة استغلال موسم الحج وتحويله إلى وسيلة لرفع شأن التنظيم وتوسيع نطاق امتداده، كان حسن البنا يبحث عن المكان المناسب الذى تكون تربته صالحة لينمو فيها تنظيمه، وقد أورد البنا فى مذكراته قصة بحثه عن أرض أو بيئة أصلح من مصر لبدء التنظيم، ذهب عقل البنا إلى اليمن، وفكر فى أن اليمن السعيد، ذلك المجتمع القبائلى هو الأصلح لتنظيم يقوم فى مقامه الأعلى على فكرة السمع والطاعة، ومن أجل ذلك سافر البنا الحالم بإمبراطورية إخوانية خصيصًا لأداء فريضة الحج، لا من أجل الحج كعبادة مفروضة على المسلم القادر صاحب الاستطاعة، ولكن من أجل الالتقاء مع مجموعة من العلماء المسلمين من مختلف البلاد لعلهم يقبلون فكرة التنظيم ويقبلون إمارته عليهم، كان غرض الحج أيضًا عند البنا، استكشاف أى البلاد تصلح للهجرة والاستقرار فيها وبناء تنظيم إخوانى يجعله الحاكم الأكبر على العالم الإسلامى، ويبدو أن حال العالم الإسلامى وقتها وردود الأفعال التى تلقاها من القيادات الإسلامية فى العالم الإسلامى جعلته يفكر فى مصر وحدها دون غيرها.
عاد البنا من رحلة الحج التى أداها عام ١٩٣٦ بقناعة أن مصر هى الأصلح حتى حين، فلماذا لا يجعل البنا مصر مهدًا لجماعته خاصة أنها كانت قد تكونت بالفعل؟. وبمجرد أن بدأت جماعته تستوى على عودها وتستقر قواعدها، أسس البنا قسمًا خاصًا أسماه «قسم الاتصال بالعالم الإسلامى»، كان عمل هذا القسم الرئيسى هو إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات الإسلامية الكبيرة ذات التأثير والمكانة والتواصل مع التيارات القريبة من أفكار جماعته، ومن هذا القسم بدأت رحلة الحج السنوية التى تعتبر مؤتمرًا خاصًا للإخوان المسلمين تقوم بدور مؤثر فى اتصال الإخوان بالمسلمين من كل أنحاء العالم.
تحول قسم الاتصال بالعالم الإسلامى إلى وزارة خارجية لجماعة الإخوان، وأصبحت مكة المكرمة والمدينة المنورة هما مقر الاجتماع الدولى للإخوان، فالتقوا «محمد على جناح» وهو يؤسس لاستقلال باكستان، ومن موسم الحج الإخوانى السنوى تواصل الإخوان مع مجموعة من اليمنيين الرافضين حكم الإمام «يحيى حميد الدين» وفكروا ودبروا وأحكموا التدبير للترتيب لثورة يمنية والتورط فى أعمال قتل وذبح وتنكيل، تلك الأعمال التى تمت فى اليمن السعيد والتى حدث فيها ما حدث من إراقة دماء العديد من المسلمين على يد إخوانهم من المسلمين، مسلم يقتل مسلمًا تحت رعاية الإخوان!، والمؤامرة يتم ترتيبها أثناء موسم الحج تحت مظنة أنهم يحققون الآية الكريمة «ليشهدوا منافع لهم»، فأصبحت المنافع على يد الإخوان قتلًا ونهبًا!، وأصبح الحج وسيلة مثالية لتدبير الانقلابات وقتل النفس التى حرم اللهُ قتلها إلا بالحق، مع أنهم يقرأون كل يوم حديث الرسول، «صلى الله عليه وسلم»، عن أن حُرمة الدم المسلم أعظم من حُرمة الكعبة الشريفة.
وحين انتهى عصر البنا ودخل الإخوان إلى السجون فى عهد ثورة يوليو، كان «سعيد رمضان» زوج ابنة حسن البنا هو حلقة الوصل بين إخوان مصر الذين أفلتوا من الاعتقال وإخوان العالم أو إخوان التنظيم الدولى، كان سعيد رمضان قد استقر فى سويسرا وأصبح هو صاحب الجهد الأكبر فى تمويل أسر المعتقلين عن طريق التقابل مع أحد الإخوان المصريين فى موسم الحج، وتهريب آلاف الجنيهات عن طريق الأخ المصرى.
وفى عام ١٩٧٢ عندما خرج المرشد الثانى حسن الهضيبى من سجنه الذى مكث فيه بضع سنين، ذهب لأداء فريضة الحج واصطحب معه فى رحلته مجموعة من الحواريين والأتباع، ومن كل البلاد التى انتشر فيها الإخوان توافدت الوفود على مكة للتهنئة وللحصول على البركة من المرشد الثانى، وانعقد مؤتمر للإخوان هناك فى منى، حيث أعطى كل الإخوان البيعة لمرشدهم الثانى الهضيبى، وعاد الهضيبى من الحج ليموت فى نفس العام، وكل نفس ذائقة الموت وسبحان من له الدوام.
تأخر تنصيب المرشد الجديد، ويقال- والعهدة على الراوى- إن الإخوان أعطوا البيعة سرًا لأحد كبارهم، إلا أن إخوان العالم أو إخوان التنظيم الدولى رفضوا إعطاءه البيعة، وكما قال أحد قيادييهم وقتها «عبدالله النفيسى» فى كتابه «أوراق فى النقد الذاتى»: مرشد مجهول يقود الجماعة إلى مستقبل مجهول.
زاد الاعتراض عن الحد وبلغ السيل الزبى، ووصلت روح الإخوان إلى الحلقوم، فالجماعة فقدت زعيم القبيلة الإخوانية الهضيبى الأب، وهى الآن تبحث عن زعيم جديد ومرشد فريد، وكادت من فرط إحساسها باليتم تكتب إعلانات فى الصحف تقول فيها «مطلوب مرشد على استعداد لأن يكون مجرد واجهة والوسطاء يمتنعون».
كان لا بد من حل، والحل لا بد أن يكون فى الأراضى المقدسة مكة والمدينة، حيث ستحل البركة وسيخرج إلى الوجود مرشد جديد الكل له يتشوق ولمعرفة اسمه يرغب، ومن أجل تحقيق الحلم الإخوانى عقدوا مؤتمرًا كبيرًا فى موسم الحج عام ١٩٧٦ استمر لمدة يومين، وتم فيه تنصيب عمر التلمسانى ليكون هو المرشد الذى وافق عليه إخوان التنظيم الدولى مع إخوان مصر فى الأراضى المقدسة، وأصبح من ضمن منافع الحج عند الإخوان اتخاذ مراسم تنصيب المرشد، فهل سيتم فى موسم الحج تنصيب مرشد جديد للجماعة بشكل رسمى بدلًا من محمد بديع؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.