رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصفقة الأزلية الأبدية الفاسدة


«المرأة»، منذ بدء الخليقة، تحمل آثام البشر، ولعنات الطبيعة. «المرأة»، يُزج بها، فى الصراعات السياسية، المحلية والدولية، وفى المعارك الانتخابية، وفى ترويج الشامبوهات، والزيوت، والصابون، والألبان خالية الدسم.
«المرأة»، كبش الفداء، للعُقد النفسية، والتعصبات الدينية.
«المرأة»، كائن تحار فيه المجتمعات على مر الأزمنة.. هل تغطيه أم تعريه؟. «المرأة»، أرض تتقاتل فوقها بطولات الذكور الوهمية. نتساءل: هل «المرأة»، قادرة على التمييز، بين الصواب، والخطأ؟، هل تؤهلها قواها العقلية لاتخاذ قرارات مصيرية؟، هل تصلح الهرمونات الأنثوية للولاية، والقيادة، والأهلية؟. مسكينة المرأة. ابتليت بختان الجسد، وختان العقل، وسن البلوغ، وسن اليأس، واكتئاب ما بعد الحَمل.
منذ الميلاد- الذى يفضل الذكر- وحتى الموت، وحياة «المرأة»، سلسلة من المخاوف. تخاف التحرش، إذا خرجت من البيت. وتخاف نظرة البواب، وعنف ذكر البيت، إذا تأخرت. وإذا ضحكت، ومرحت، تخاف إثارة الشكوك. تخاف من العنوسة إذا تأخر زواجها، أو فاتها قطار العرسان. وإذا تزوجت تخاف ألا ينزف غشاء البكارة.
تخاف ألا تطيع الزوج، فيضربها، أو يقطع المصروف عنها، أو يذهب إلى عشيقة خفية، غير مقننة، أو إلى مثنى وثلاث ورباع، معلنات مقننات. تخاف أن تصبح مهجورة فى المضاجع، حتى لو كانت خلوة المضجع تسبب لها الألم، والاشمئزاز، والمهانة. تخاف استنكار حماتها أنها لم تنجب بعد أول سنة زواج، أو أنها أنجبت الأنثى لا الذكر. وإذا استحالت العشرة مع الزوج، لا تلجأ إلى الطلاق خوفًا من كلام الناس.
وهى فى جميع الأحوال تخاف ألا تكون محجبة، أو منقبة، حتى لا تثير حفيظة أب له ميول إخوانية، أو زوج له وجدان سلفى، أو أخ له أصدقاء داعشيون، أو جيران يتعاطفون مع إقامة الخلافة الإسلامية. وماذا عن خوف المرأة، ألا تكون «جميلة» بالمقاييس السائدة فى المجتمعات الذكورية؟، هذا خوف، أقرب إلى «الرعب»، أو «الفزع». أو ما يسميه الِعلم، «فوبيا». تتربى النساء، على أن «الجمال»، الذى يبثه، ويمدحه، ويرسخه، ويعيد إنتاجه.
الإعلام الذكورى، هو «رأسمال» المرأة وهو «استثمار» مربح توظفه المرأة كما تشاء. ولنتأمل على الأخص الإعلام المرئى، فى بلادنا، كيف يعطى برامج الموضة، والأزياء، وعمل الماكياج، والحفاظ على الجلد، وعلى الشَعر، وعلى الأظافر، وعلى الرموش، وعلى البشرة، مساحات زمنية، طويلة، لا يُعطى ربعها للبرامج الثقافية.
وفى مجال الفن، مثلًا فى الغِناء، لا يتغزل الرجل، إلا فى العيون التى تسحر وفى «الشفايف» التى تُسكر. وفى الخصر الذى يفتن. وفى «الرمش» الذى يجرح.
كل شىء، حول المرأة، لا يخاطب إلا النساء «الجميلات الصغيرات»، المتزوقات، الملطخات بالأحمر، والأخضر، ذوات الشَعر الأحمر، والأصفر، ذوات الأظافر الزرقاء.
إن هزيمة المرأة، أمام صورتها فى «المرآة»، التى تقول لها: «أنتِ لست جميلة».. «لم تعودى جميلة كما كنتِ فى سن الشباب»، شىء موجع، مؤلم. فقدان المرأة، للأنوثة، وفقًا للمزاج الذكورى، يضعف من مركزها، وينال من سُمعتها، ويُذل فطرة، ليست من صنع يديها. فكيف لها أن تبدو مثل نجمات السينما أو مثل المذيعات، والمطربات، والراقصات؟، هؤلاء هن «النموذج»، فى الجمال. وهن «القدوة»، فى الأنوثة. هذا فى حين أن المجتمع، نفسه، لا يطالب الرجال، بأى عبء جمالى.
لا يعيب الرجل إلا «جيبه»، حتى لو كان له «كرش». هذه هى الصفقة. يدخل الرجل، بفلوسه. والمرأة، تدخل بجمالها. إنها الصفقة الأزلية الأبدية الفاسدة، التى يدافع عنها أصحاب الفكر العنصرى القاهر، الذى يستخدم «الأنوثة»، و«الدين»، و«الإعلام»، للإبقاء على الاستثمار المربح، فى جنس النساء.