رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتجوز فنانة.. واتعين فنان




إلى من ستسدد تلك السهام المارقة وعلى من ستصوب؟! سؤال مهم تطرحه اللحظة الآنية الملتبسة.. على هامش الجدل الذى أثير حول زواج الداعية الإسلامى الوعظى معز مسعود من فنانة ‏سافرة متبرجة تعمل فى الدراما والسينما.‏
ظهر السيد معز مسعود أول ما ظهر بوصفه الداعية الذى يتحدث الإنجليزية كما ينطقها أهلها.. وعاش فى الولايات المتحدة، حيث تعلم أساليب الوعظ البروتستانتى الجماعية المؤثرة فى الجماهير.. ‏وهو نوع من الفن والأداء المحترف الذى أتقنه أيضا الداعية عمرو خالد وبجدارة. ‏
التف السيد معز حول زملائه من شباب الجامعة الأمريكية، وتزوج ملكة جمالها فتاة تدعى «سارة» وحجبها بالطبع، وكانت تلك هى زيجته الأولى، ثم بدأ مشواره الدعوى متحدثا عن صديقه الذى ‏توفى فى حادث وأن الموت قريب منا جميعا أيها الشباب فلنعمل لآخرتنا.. بهذا النوع من الابتزاز العاطفى الترهيبى بدأت الحكاية ولم تنته.. وكان الفنان الشاب أحمد الفيشاوى وقت أزمته المعروفة ‏من المرتبطين بمعز وبالداعية عمرو خالد الذى دعم وقدم للفن آنذاك ظاهرة المؤدى «سامى يوسف» الذى خرج أيضا من عباءة هؤلاء وبمباركتهم داعما ذات المنظومة المتكاملة شديدة الدقة والتنظيم ‏والإحكام.. وقدم الفيشاوى الصغير ومعز آنذاك برنامجا على قناة سعودية شهيرة حتى أفاق الفنان الشاب من تلك التجربة أو تلك المغامرة ليدخل بعدها فى تجارب ومغامرات جديدة كل يوم.. ولا ‏توجد موانع فى أن يعاون الفيشاوى أو يتعاون مع هؤلاء الأصدقاء القدامى ومنهم بالطبع المخرج «عمرو سلامة»، مخرج فيلمه «شيخ جاكسون»، وهو المخرج الذى أعلن توبته وتبرؤه من الفكر ‏الأصولى وتخليه عن أفكار التشدد التى عاش فى رحابها لفترة من الزمن ليست بالقصيرة ولا بالبعيدة.. ارتباط فكرة الدعوة والدعاة بالفنانين مسألة أساسية لديهم وأصيلة.. فعيونهم وسهامهم مصوبة ‏دوما على تلك القوة الناعمة لإزاحتها أو أدلجتها.‏
وبدأت الحكاية بمحاولات الإزاحة والإقصاء للفنانات فى التسعينيات وموجة تحجيبهن وترهيبهن وابتزازهن عاطفيا عبر التواصل المباشر معهن من خلال الرسائل العاطفية الترهيبية التى كانت ‏ترسل لهن أو دعوتهن لدروس وجلسات دينية أو من خلال أشرطة المدعو عمر عبدالكافى وغيره والتى امتلأت بها الأرصفة آنذاك، وبعد أن انتهت تلك الموجة وتلك المرحلة وانكشف أمرها وأفاقت ‏بعض الفنانات وخلعن الحجاب وعدن للظهور مرة أخرى، بدأت موجة ثانية أحد أهم أبطالها، فى رأيى، هو السيد معز مسعود وهى موجة «أدلجة الفن والفنانين» بالأيديولوجية والصبغة الإسلامية، ‏أى «أسلمة الفن».‏
وعندما اندلعت الثورة المصرية فى عام ٢٠١١ أفرزت بطبيعة الحال وجوها ونماذج طفت على السطح لم نكن نسمع عنها من قبل.. وتم إقحام الفن فى السياسة، والسياسة فى الدين، وصارت ‏هنالك حرف ومهن مربحة كمهنة الداعية والناشط وغيرهما من المصطلحات والنشاطات التى استجدت وفرضتها تلك اللحظة الوجودية شديدة الخصوصية.. وانتمى لذات الفريق أو تلك الحظيرة ‏ونفس الشللية «آل دياب» فى محاولة للتشبه بآل العدل ولكن بتوجهات مغايرة بالطبع، فهم ثلاثة أشقاء يكتبون ويخرجون ويتعاون معهم المخرج عمرو سلامة ولكن كان ينقصهم عنصر الإنتاج فدخل ‏للحلبة داعما تلك المنظومة معز مسعود منتجًا!.‏
فالقواسم المشتركة فى هذا الجمع وهذا التجمع على ما يبدو أنها كثيرة.. فالفكر واحد والتوجه واحد.. فى ظاهره يبدو تنويرا تقدميا طليعيا لا ضرر منه أو فيه..ولكن وفى حقيقة الأمر يحمل هذا ‏الفكر وهذا التوجه مدا إسلاميا دعويا يريد التوغل والتغلغل ونشر الفكر الإسلامى الدعوى من منظورهم ووفقا لتأويلاتهم هم بالطبع للعقيدة والنصوص.. وبالتالى تنتقل الدعوة من منابر المساجد ودور ‏العبادة لشاشات التليفزيون ومنها للسينما بل لأكبر المهرجانات السينمائية العالمية «مهرجان كان» السينمائى الدولى فى فرنسا أرض فولتير، والذى عرض فيه فيلم «اشتباك» من إنتاج الداعية معز ‏مسعود!.‏
وبالتالى يسيطر هؤلاء وأيديولوجيتهم على سوق الفن والفيلم والمهرجانات، وبالتالى يستطيعون تمرير أفكارهم مهما حاولوا إخفاءها أو تجميلها عبر أعمال تبدو هادفة وطليعية. إنها نسخة جديدة من ‏الإسلام السياسى الدعوى تلوح فى الأفق بعد فشل الوهابية وتخلى المملكة عنها، والداعشية التى أفزعت الناس، وبرامج الدعاة التى فقدت تأثيرها لتتبقى لهم السينما والدراما كأدوات وآليات جديدة لم ‏تطرق كثيرا من قبل، وبهذا القدر من الحنكة والذكاء. سلاح الفن الفتاك يجرى الآن استخدامه لتغيير وأدلجة الذهنية المصرية ومن ثم العربية لاستقبال ذلك الفكر الإسلامى فى حلة جديدة وثوب ‏جديد، هذه النسخة من الإسلام يمكن جدًا تسميتها وبمنتهى الأريحية بالنسخة «النيو ليبرالية» المصبوغة بصبغة دينية.. هنالك مد «نيوليبرالى» يزاحمنا الآن فى كل المجالات وطال مؤخرًا مجال الفن ‏والسينما، وبما أن مريدى تلك الفلسفة وتلك النظرية الجديدة كثيرون فى مجالى السياسة والاقتصاد وكذلك الفن.. فهذا التيار يهجم هجوم الجراد على صناعة السينما والفن.. وللأسف ينخدع فيهم ‏البعض أو يتواطأ معهم.. فعلى سبيل المثال تعاونت الفنانة الدءوبة الطموح المثقفة المختلفة «بشرى»، بنت المناضل اليسارى «أحمد عبدالله رزة»، وأنتجت فيلما عظيما شاركت بالتمثيل فيه مع اثنين ‏من آل دياب وهو فيلم «٦٧٨»، الذى لا يمكن اعتباره عملا تافها أو رديئا، بل العكس هو الصحيح، وهكذا يتسلل هؤلاء ويمرون بهدوء وبتأن ودون عجلة أو جلبة ليمروا بسلام ولتمرر رسائلهم ‏الضمنية غير المعلنة بمرور الوقت وبالتراكم.. نفس التجربة حدثت وتكررت فى فيلم «اشتباك»، ونفس الأسماء تتكرر: «آل دياب».. عمرو سلامة.. معز مسعود، ويدخل معهم للأسف فى تلك ‏المنظومة المنتج الشاب المحترم المحترف «محمد حفظى» وهو البعيد كل البعد عن هذه الأيديولوجية تماما كالفنانة «بشرى» لكنه يدعمها بشكل غير مباشر، سواء يعى ذلك أو يجهله، وكذلك الموزع ‏‏«علاء كركوتى» عبر شركته الشهيرة التى توزع هذا النوع من الفن وتخدم هذا التوجه النيوليبرالى الإسلامى الأيديولوجية، فهى شركة احترافية تسعى للربح فقط ولا علاقة لها بالمضمون المقدم أو ‏بمن يقدمه!.‏
مؤامرة كبيرة وكارثية نحن بصدد مواجهتها والتيقظ لها، وكشفها سريعا هو عين الرشد والرجاحة. ‏