رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى الهيئة الوطنية للإعلام..المُشاهد ينتظر


مع كل أزمة أو فتنة لها بُعد طائفى، يدور الحوار التالى عندما يتصل بك معد مثل تلك البرامج: حضرتك فلان الكاتب القبطى؟ - عيب.. مفيش كاتب مسلم وكاتب قبطى... ثم بضيق وتبرم أنا فلان.. آسف يا أفندم، أصل الموضوع متعلق بشأن مسيحى هو شأن مصرى فى النهاية.. هو رأى سيادتك إيه فى الأزمة دى؟
يحاول المعد بخباثة عبيطة معرفة رأى الكاتب، فإذا وجده موافقًا فى اتجاه توليع الحلقة دعاه للاستديو، ولو كان مقبولًا بشكل ما طلب منه مداخلة تليفونية، أما إذا ما كان لا هذا أو ذاك فيمطر الكاتب بالكثير من الأسئلة التى تعينه لإعداد الموضوع الذى يجهل كل أبعاده، ويُنهى المكالمة: أول ما نكون جاهزين هنتصل بحضرتك.. وتتم استضافة رموز جاهلة بكل أبعاد القضية، وباسم الدفاع الساذج عن المؤسسات الدينية ورموزها الطيبة الغالية، فتكون النتيجة على طريقة الدبة التى تصيب صاحبها بالأذى بجهل وغباوة.
وأترك للقارئ التعليق على حالة التهافت والقبح والتراجع المهنى.
لا شك أن الاتهامات الموجهة للإعلام إياه فى نشر التعصب والكراهية بين الجماهير لها ما يؤكد حقيقة وجودها، حتى ولو دافع بعض الزملاء عن الوقوف فى طوابير الدفاع على طريقة أن الإساءة للإعلام تنال من هيبة واحترام المهنة، إلا أن الشمس يا سادة لا يُخفى إشراقاتها المُطهرة الفاضحة أى مُعلقات لشعراء الخيابة وأهازيج النفاق الرذيلة المعتمة، وكان الله فى عون كل إعلامى نبيل مناضل، فهو مُبتلى ويشكو حظه العاثر فى هذا الزمن الذى جعل القبيح وقد ارتبط والتصق بالجميل، وبات فض الاشتباك صعبًا للأسف.
عشنا وشفنا وتابعنا وعرفنا كل نوعيات الإعلام العامة والمتخصصة.. إعلام سياسى، اقتصادى، ثقافى، دينى، أمنى، عسكرى، تنموى، برلمانى، تربوى، ترفيهى، سياحى، بيئى، علمى.. إلخ، ولكل نوعية ينبغى إعداد كوادر متخصصة قادرة على قراءة الواقع وتحليله والتعرف على عالم ذلك التخصص ورموزه وإنجازاتهم وهمومهم وأحلامهم ورؤاهم المستقبلية.
وعلى مدى سنى التراجع القيمى والعلمى، رغم الاستعانة بأشكال وأنماط إعلامية غربية مبهرة فى تقنياتها، ظهرت بشكل وبائى بشع نوعيات سلبية فى أشكال وأنماط الإعلام بدعوى حق الإعلامى فى التعبير والممارسة الديمقراطية.
وعليه، تابعنا انتشارًا واسعًا لمحطات إذاعية وفضائيات تليفزيونية ومواقع إلكترونية وصفحات فسبوكية تستحدث وتضيف إعلام السبوبة والاسترزاق الكارثى، واللاإنسانى والمهدر للقيم الأخلاقية، المزيف والمشوه للتاريخ والحضارة، والمؤامراتى الخائن، والمحبط الأسود، والفضائحى بصناديق الأسرار الشخصية، والمنتجة لفنون دعم الاصطفاف السلبى لشق حالة الاندماج الوطنى، والمصنعة لمنتجات الفتن والتطييف، والمبشرة بأزمنة انتشار القبح بكل أشكاله ومظاهره المادية والمعنوية.
ولعل أبرز الأشكال المستحدثة التى تابعناها مؤخرًا على شاشات الفضائيات، ما يمكن أن نطلق عليه «إعلام اشتملى شكرًا».. نعم فقد قررت بعض الفضائيات الموتورة استضافة أصحاب اللسان المبدع فى تنويعاته القميئة الرذيلة ليصفى لهم حساباتهم القديمة مع جهات أو شخصيات عامة أو قوى سياسية أو رموز ثقافية إعلامية.. لقد رأت بعض وسائل الميديا أن الوسيلة المثلى فى تسويق منتجاتها تأتى عبر خياراتها لبعض المواد الإعلامية أو الضيوف التى تحقق عائدًا تجاريًا هائلًا، وعبر قواعد باتت معروفة «لو عايز تشتم ثورة يناير ورموزها هات فلانة الموتورة المريضة اللى بتبيع النوعية دى بمهارة...» لو عايز تشتم الدستور واللى عملوه لأنه بيدى صلاحيات لكذا ولا صلاحيات لكذا، هات الجاهل العبيط هيقولك مواويل سخائم من اللى قلبك يحبها، «لو عايز تغيظ المسلمين أو الأقباط المتشددين حبتين ودمهم بيفور هاتلهم فلان هيعملك حلقة مولعة تكسر الدنيا».. وكله مباح ولا عقاب وسلم لى على ميثاق الشرف الإعلامى والصحفى.
إلى الهيئة الوطنية للإعلام.. المشاهد ينتظر اختفاء أهل التطرف من الظهور على الشاشات المصرية، فأمن وسلامة الوطن ليس وجهة نظر قابلة للتحاور.. البرامج المسربة للشائعات بشكل غير مباشر ينبغى أن تتوقف.. تحفيز البرامج الاجتماعية الإنسانية الجديدة وتشجيع مبدعيها... الذهاب إلى ضرورة وجود برامج وقنوات للعلوم والسياحة والأطفال والآثار والثقافة بات ضرورة ملحة.. معقول يا إعلام بلادى المعاناة من تلك الحالة من الجدب الإعلامى والتنوع المستوعب لكل الأنشطة الإنسانية فى بلد له ذلك التاريخ وتلك الحضارة؟!.