رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثورات وعلاقتها بالنخبة الثقافية


«النخبة الثقافية»، أهُم الناس الذين يرسمون السياسة الثقافية؟، أم الذين ينفذونها؟، أهم الذين يطلون علينا كل صباح من أعمدة الصحافة؟، أهم الذين يرأسون المؤسسات الثقافية ودور النشر؟، أهم الذين يتخذون القرارات الثقافية؟، أهم الموظفون فى وزارة الثقافة؟، أهم الذين تتم دعوتهم لاجتماع الرؤساء وكتابة الدستور والظهور على شاشات الإعلام؟، أهم الذين يسافرون ويعالجون على نفقة الدولة؟ هل هم الذين يوصفون بالكُتاب الكبار والشعراء الكبار والأدباء الكبار، والمفكرون الكبار؟ أهم الذين تقام لهم الندوات، فى معرض الكِتاب؟ أم هم الذين يحصلون على جوائز الدولة، وأوسمة الدولة؟.
هل يدخل فى النخبة الثقافية، الممثلون، والمخرجون، والمطربون، ورؤساء تحرير الصحف، والمشرفون على صفحات الثقافة، والأدب؟، وهل تشمل النخبة الثقافية، الوزراء، والمحافظين، ورؤساء الأحياء، والمحليات، والمؤسسات الدينية؟.. من متابعة دقيقة، لأحوال البلد، وجدت أن «النخبة الثقافية»، تعمل لصالح ما أسميه «الوطن الرسمى»، فى مقابل ما أسميه «الوطن الشعبى»، الذى تخدمه «نخبة» أخرى.
المهمة الأساسية، للنخبة الثقافية، هى «إبعاد» النخبة التى تحمل فى أفكارها، وإبداعاتها المختلفة، «الخميرة» الطازجة، الضرورية، لأى تغيير حقيقى، يدعم «الوطن الشعبى».
وهذا «الإبعاد»، فن فى حد ذاته. وهو يتجدد، ويتلون، وفقًا لطبيعة، ومعطيات، العصر. ويمكنه أن يتحول إلى ممارسات، فى منتهى العدائية، وفقًا لكل حالة. هذا لا يمنع من وجود «ثوابت»، مثل الإقصاء، والتشويه، وعمليات النصب الأدبى، والاحتيال الثقافى، والصيد فى الماء العكر.
وهذه النخبة الثقافية، نجدها أينما تسطع الشمس. ربما يكون أفضل «تعريف» للنخبة الثقافية، هو الوجوه التى توجد، فى كل مكان، وفى كل المناسبات، وفى كل الاحتفالات، وفى كل الندوات.
والنخبة الثقافية، تتزاوج فيما بينها، لتضمن «نقاء» الولاء، فى الأجيال القادمة.
إذن تكون المهمة الموكولة، للنخبة الثقافية، عملًا «سياسيًا»، فى المقام الأول. وليس عملًا «ثقافيًا». إذن لكل «نظام»، «نخبته»، التى ترسخ بقاءه. والنخبة كما عرفناها فى بلادنا «عابرة» للأنظمة، لا تعرف تاريخًا، لانتهاء «الصلاحية».
إن الثورات تحدث بالتحديد، لإزاحة هذه النخبة. لكننا بعد ثورتين، أزحنا فقط، رئيس النخبة. لكن النخبة كلها، بلحمها، المتشعب فى كل الأركان، بقيت دون تغيير جوهرى. بعد ثورتين، «تلمعت»، أكثر، «الوجوه» النخبوية، لأنها ارتدت ثوب الثورة، ورددت شعاراتها.
المعركة مستمرة، بين «الوطن الرسمى»، و«الوطن الشعبى». ليس فى مصر فقط. ولكن فى العالم بأسره.
جولات هذه المعركة، هى قصة «الحرية» الإنسانية. وتاريخ «التمرد» الإنسانى. وإذا كنّا اليوم نحتفل بثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فى ذكراها الـ٦٦، فلا بد أن ندرك أنها نقطة تحول سياسى، وثقافى، واقتصادى. لكننى أعتقد أنها مثل كل الثورات، التفت حولها «نخبة ثقافية»، تقليدية، معادية لجوهر الثورة. تمامًا كما حدث فى ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١، و٣٠ يونيو ٢٠١٣.
إن الثورات التى تكتفى بإزالة رأس الدولة السياسى، ليست ثورة. إنها مجرد البداية. لكن النهر الثورى، لن يستمر فى التدفق، إلا بإزالة «النخب الثقافية»، وكل منْ يمثلها، فى جميع مؤسسات الدولة، فى التعليم، والاعلام، والآداب، والفنون، والدين، والرياضة، والتربية، والتشريعات والقوانين، خاصة تلك التى تتناول الأحوال الشخصية، وبناء الأسرة.