رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. جلطة زكريا عزمى


عشرات المقالات التى يمكن أن تكتب في شخص الدكتور زكريا عزمى، سلبا أو إيجابا، وعلى الرغم أننى لا تربطنى به أية علاقة شخصية، ولم اتحدث اليه مباشرة يوما ما، غير أننى كنت قريبا من بعض الوقائع التى كان طرفها الاساسي هو ذلك الشخص القوى والذى ترأس ديوان رئاسة الجمهورية لفترات طويلة استطاع خلالها أن يكون همزه الوصل الوحيدة بين الرئيس مبارك والمجتمع. 
ولا انكر حيرتى في تقيم شخصية الرجل الذى بدا حياته كرجل عسكرى تخرج من الكلية العسكرية ثم درس القانون حتى حصل على الدكتوراه وهو شاب ثم انتقل الى مكتب الرئيس في بداية السبعينات وتدرج حتى تربع على أعلى منصب بالديوان الرئاسي، ولم يكتف الدكتور عزمى بهذا المنصب المهم بل تدرج فى مناصب عدة داخل الحزب الوطنى والمجالس المحلية وتدرج من عضو بالمجلس المحلى للقاهرة ثم نائبا عن دائرة الزيتون لدورات عدة متتالية. 
قد يندهش القارئ من مواقف الدكتور عزمى حين كان واحدا من صناع القرار في البلد، وهو الاكثر انتقادا لحالة الفساد في الوقت نفسه، وكأنه لا علاقة له، ولا علاقة للدولة، التى هو واحد من كبار مسئوليها، بهذه الحالة التى عانينا منها طويلا، ولمن لا يعرف ان المقولة الشهيرة " الفساد في المحليات للركب" هى مقولته التى اطلقها تحت قبة البرلمان وصارت تعريفا لفساد المحليات نتداوله ونستخدمه حين تأتى هذه السيرة.
ومن المواقف التى عاصرتها وكنت قريبا منها واقعة مهمة ولها دلالتها بطلها هو الاستاذ سامى عطا رئيس لجنة التموين فى مجلس محلى محافظة القاهرة في غضون عام 2003 أو 2004، والاستاذ سامى رحمه الله كان من المخلصين لعملة جدا، ومهموما دائما بأزمات التموين، ولانه ابن حى السيدة زينب فقد كان قريبا من مشاكل الغذاء التى تحيط بنا خاصة من اللحوم التى عرفت أسرارها منه، وتوطدت علاقتى به كمصدر مهم للمعلومات بالنسبة لى حين كنت مسئولا عن تغطية انشطة العاصمة. 
ومن ضمن الاخبار المهمة التى نشرتها عن الاستاذ سامى عطا تقدمه بمقترح للمجلس المحلى بزيادة سعر رغيف الخبز من 5 قروش الى 10 قروش، وقدم مشروعه بدراسة كاملة عن اسباب تهريب الدقيق المدعم، واقترح ان يتم فصل الانتاج عن التوزيع وفتح منافذ بيع جديدة يتم من خلالها تشغيل عدد كبير من الشباب العاطل عن العمل، وفكرته أن يتم دفع مرتبات الشباب من فرق السعر بين الـ 5 قروش والـ 10 وفقا لمقترحه. 
وكان سامى عطا حسن النية جدا، لانه لم ير حلا في وقف سرقة الدقيق المدعم الا بالسيطرة على الانتاج من المنبع، ونشرت أنا الخبر في جريدة الاسبوع تحت عنوان "مقترح بزيادة سعر رغيف العيش الى 10 قروش يناقشة محلى القاهرة" وحددت جلسة لمناقشة المقترح وكنت اول الحاضريين، وفوجئت بأن الذى يجلس بيننا في قاعة المجلس بديوان محافظة القاهرة هو الدكتور زكريا عزمى والذى حضر بصفته نائبا من نواب المحافظة. 
وفي بداية الجلسة اتبعت الاجراءات القانونية، ومنها تقديم طلبات الاحاطة والاسئلة والبيانات العاجلة في بداية الجلسة وكان اول الطلبات مقترح زيادة سعر رغيف الخبز وشرح الاستاذ سامى عطا المقترح وصفق له الحضور لانه قدم شرحا وافيا بالارقام عن تسريب وسرقة الدقيق وأهمية السيطره على الانتاج وتشغيل الشباب،
والعادة ان يتم اخذ رأى المجلس وفتح باب المناقشة بعد انتهاء العضو من تقديم مقترحه، فكان اول من رفع يدة لطلب المناقشة هو الدكتور زكريا عزمى، فأخذ الكلمة من رئيس المجلس اللواء اركان حرب احمد فخر، ولم يتكلم الدكتور عزمى كثيرا غير انه قال "رغيف العيش خط احمر والمجلس مش من حقه يقدم مقتراحات من النوع ده" انقلبت القاعة بالتصفيق والتهليل والتأييد لكلمة رئيس الديوان وما إن هدأت القاعة حتى اكتشف اعضاء المجلس، ان مقدم المقترح سامى عطا مغشي عليه، فحمله سريعا وكيل لجنة التموين محمد بطاح وطار بسيارته الى اقرب مستشفي لينقذ حياته، واكتشف اصابته بجلطة فى المخ نتيجة ارتفاع ضغط الدم المفاجئ، فكان عنوانى في اليوم التالى يجمع بين مقولة الدكتور عزمى أن رغيف العيش خط أحمر واصابة رئيس لجنة التموين بالجلطة التى عرفت يومها بجلطة الدكتور زكريا عزمى.