رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفن ورسالته


للفن الحقيقى، الصادق، قدرة سحرية على إيقاظ الوعى، وتنشيط الهمم، وتحفيز الأمم، والدفع إلى الانتماء، والتبشير بالمستقبل، والحث على الكفاح، وبث روح الولاء والافتخار بالوطن، والإيمان ‏بالمُثل الإنسانية السامية، وبالقيم النبيلة السمحاء.‏
كان من حسن طالعى أن تعرفت والتقيت، فى مطالع الشباب، بكتيبة من أروع أبناء هذه الأرض الطيبة، وأكثرهم موهبة وعطاءً، والذين لعبوا دورًا كبيرًا فى بناء وعى جيلنا، والأجيال السابقة ‏واللاحقة، بما منحوه لنا من نعمة الفن الجميل والإبداع الراقى، والمشاعر الوطنية الفيّاضة، وبما نقلوه إلى وجداننا من عشق لأرض الوطن ولشعبنا الطيب المتحضر المعطاء.‏
انداحت هذه المشاعر فى أعماقى ثلاث مرات هذه الأيام، والمناسبة: استمتاعى بالمشاركة، بالحضور أو الحديث، فى ثلاث مناسبات فنية ووطنية مهمة، تزامنت معًا خلال أيام الأسبوع: الأولى ‏الاحتفال المتميز فى مسرح الهناجر بالشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، (١٩٢٩ـ ٢٠١٣)، فى أمسية بديعة عُرض خلالها فيلم «مساء الفل يا عم أحمد» للمخرج المتميز مجدى أحمد على، وتضمنت ‏جلسة حوارية حول نجم وتجربته الحياتية والإنسانية والنضالية والفنية، شارك فيها الأساتذة الكبار: سيد عنبة، وشعبان يوسف، ود. حسن طلب، وإبراهيم داوود، وتلميذ نجم وصديقه المقرب ميشيل ‏غالى، وأدارتها د. ناهد عبدالحميد.‏
والمناسبة الثانية، كانت الاحتفاء بالملحن والمغنى العظيم، الشيخ إمام عيسى، بمبادرة من دار نشر «بتانة» ومديرها الشاب د. عاطف عبيد، بمشاركة الأساتذة محمود الشاذلى، وشعبان يوسف، وسيد ‏عنبة، والفنان شعبان عيسى، ابن أخ الشيخ إمام، وتشرفت بالحديث فيها عن العلاقة الرائعة التى ربطت ثنائى نجم إمام، بجيلنا، وبى، مع صعود الحركة الطلابية الوطنية الديمقراطية، الثائرة على ‏نتائج هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، والمُطالبة بالحرب لتحرير الأرض المصرية من دنس الاحتلال الصهيونى، فى نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضى.‏
أما المناسبة الثالثة، فكانت العُرس الجميل الذى شهده المسرح القومى طوال الأسابيع الماضية، بعرض الاستعراض الغنائى التمثيلى «حى على بلدنا»، من إبداع الشاعر الكبير فؤاد حداد، وإعداد أ. ‏أمين حداد، وإخراج المخرج الكبير أ. أحمد إسماعيل، وشارك فيه كل من الأساتذة: أشرف عبدالغفور، عهدى صادق، مفيد عاشور، المطرب محمد عزت، رحاب رسمى، المطربة نهال، وتضمن ‏مجموعة أغان من ألحان الأساتذة سيد مكاوى، إبراهيم رجب، عبدالعظيم عويضة، وجيه عزيز، ومحمد عزت، بمشاركة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو صابر عبدالستار، والفنان الكبير ناجى ‏شاكر، مشرفًا على الملابس. وتبقى ثلاث ملاحظات مهمة حول هذه العروض الثلاثة:‏
الأولى: أن الاحتفاء بنجم، يتم هذه المرة برعاية هيئات رسمية «المجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة للمطابع الأميرية»، وهو أمر جيد ومهم، بعد أن كان التعامل، لفترة طويلة، يتم مع الشاعر ‏الكبير من خلال «مصلحة السجون».‏
الثانية: حجم الإقبال الهائل فى المناسبات الثلاث، حيث تعذر إيجاد كرسى فارغ، وتنوع جمهور الحاضرين، كبارا وأطفالا وشبابا، من الجنسين، وتفاعلهم الصادق الكبير مع ما عُرض من أعمال، ‏إلى الدرجة التى دفعت المسرح القومى، ورئيسه أ. يوسف إسماعيل، لمد فترة العرض «المجانى»، أكثر من مرة.‏
الثالثة: وقد تواكب مع هذا النشاط تغطية صحفية متميزة لصحف «الدستور» و«الأهرام» و«البوابة»، و«روز اليوسف» وغيرها، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: متى تدرك وسائل إعلامنا، ‏وبالذات الفضائيات والإذاعة، أهمية هؤلاء المبدعين العظام فى بناء الوجدان المصرى، وترميم الشخصية الوطنية التى تعرضت لشروخات عديدة، فتذيع أعمالا لمثل هؤلاء الكبار، وتحتفى بحياتهم ‏وفنهم، بدلا من الغث والمبتذل، الذى ينهمر على عقولنا، فيفسد الذوق، وينحط بالوعى، ويذرى بأحلام الحرية والتقدم؟!.‏