رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأديان غاية فى حد ذاتها أم وسيلة؟


هناك فى رأيى، نقاط أساسية، لا بد من طرحها، حينما نتكلم عن تجديد الخطاب الدينى، وتنظيم فوضى، وعشوائية، وتناقض الفتاوى الدينية.
أولًا: الفارق بين «الإيمان» و«الدين».. الإيمان هو «طاقة» روحانية عاطفية تلزم الإنسان بأن يعمل من أجل العدالة، والحرية، والجمال، لجميع البشر. الإيمان هو حوار متواصل متناغم بيننا وبين الطبيعة الأم. الإيمان هو صوت الفطرة السليمة، التى تحن لالتقاء القطرة، بالبحر.
الإيمان أن نشعر بأن الكون يحزن لأحزاننا، ويفرح لأفراحنا.
هذا الإيمان سابق على نشوء الأديان، وأنظمة الحكم السياسية، والفوارق المصطنعة بين البشر.. الإيمان، إذن كما أراه، بناء عقائدى يبنيه الإنسان داخل قلبه، لا يمده إلى الآخرين. وإذا حاول ذلك، يتحول إلى «دين». وربما يكون صحيحا القول بأن كل دين بداخله، إيمان، ولكن ليس كل إيمان، بداخله دين.. الدين هو «أيديولوجية سياسية»، تخدم وتسعى إلى تحقيق توجهات سياسية محددة. وبالتالى، هو فى حاجة إلى «وسطاء»، يسهلون ويرسخون هذه المهمة.
ثانيًا: فوضى الفتاوى وتناقض التفسيرات الدينية.. إن الدين الواحد له «تفسيرات» كثيرة، متنوعة، كثرة وتنوع «الوسطاء» الذين يديرون العلاقة بيننا وبين الله. والنتيجة المنطقية هى «اللخبطة» و«التناقض». فأى التفسيرات نتبع؟.
كما أن الدين الواحد ينقسم إلى مذاهب. والمذاهب تنقسم إلى طوائف. وكل فرع منها له المؤيد والمعارض. فأى اتجاه نسلك؟. هذا يزيد من «اللخبطة»، و«التناقض». فى الدين الإسلامى، مثلا، فإن المسئولية «شخصية» أمام الله. ومع ذلك، يجد «الوسطاء»، سوقا رائجة للتفسيرات، والفتاوى، والأحكام، والمرجعيات. إن خطاب الدم، النازف كل يوم هو نتيجة التفسيرات والفتاوى والأحكام، والمرجعيات، الأكثر تخلفًا، وظلامية، وذكورية، وتطرفًا، وتشددًا، وعنفًا، وتزمتًا، وجمودًا.
ثالثًا: فشل الخطاب الدينى فى تحسين الأخلاق.. إن القيم الأخلاقية النبيلة، مثل الصدق، والأمانة، والعدل، والشهامة، والنزاهة، والتواضع، والتسامح، وغيرها- تفقد معناها النبيل، ومقصدها الفاضل، إذا سلكها الإنسان، خوفا من العقاب الإلهى، وليس حبا فيها لحد ذاتها. فى بلادنا، ما أكثر البرامج الدينية، التى تشدد على الوازع الدينى، ومع ذلك، نحن نعانى من انحدار أخلاقى، فى كل المجالات. لماذا فشل الخطاب الإسلامى اليومى المتكرر منذ سنوات طويلة، فى منع الانحدار الأخلاقى؟. وهناك الملايين فى العالم، الذين «لا دين لهم»، سماويًا، أو أرضيًا، لكنهم يتحلون بمكارم الأخلاق، بـ«وازع»، من ضميرهم الإنسانى، وحريتهم الشخصية، التى اختارت الفضيلة.
رابعًا: العلاقة بين الدين والحياة والإنسان قبل تجديد الخطاب الدينى.. لا بد أن نسأل: هل الدين «غاية»، فى حد ذاته، أم «وسيلة» لخدمة راحة وسعادة الإنسان، وارتقاء الحياة؟. هل نتأقلم نحن البشر مع الدين، أم يتأقلم الدين مع البشر؟. هل «تكيُّف» الدين مع تغيرات الحياة والبشر أمر منبوذ ضد الدين؟. هل هناك حدود لهذا التكيف؟، ومنْ يحددها؟، ومنْ يحكم عليها؟.