رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفسدون.. يااا صبر أيوب!


إلى أين تمضى بنا أقدامُنا، وهى تدوس أشواك الصحراء الجافة، وسط تيه فساد، لا يمنح هذه البلاد فرصة للنهوض من كبوتها؟.. يخنق القدرة، ينهب الحقوق، ويسطو على مقدراتها، حتى ضاق صبر أيوب، عن تحملنا ما نحن فى غنى عن تحمله.. وهل تكفى جهود جهة واحدة، أشعر بأن رجالها لا ينامون من كثرة من يسعون خلفهم من المفسدين، وهم ضباط الرقابة الإدارية؟..

هؤلاء الذين يوقعون يومًا بعد آخر، واحدًا من أباطرة الفساد، حملت كلماتهم كثيرًا من عبارات النزاهة والشرف، والوضوح والشفافية، وأن خدمة الوطن أسمى أمانيهم، ولا تحمر وجوههم خجلًا، من وضع نسخة من المصحف فوق مكاتبهم، يخدعون بها الناس، والله خادعهم، ومُوقِعهم فى شر أعمالهم.

وتلعب الصحافة بخاصة والإعلام بعامة، دورًا هائلًا فى تعرية المفسدين وكشف فسادهم، وهما بذلك، أى الصحافة والإعلام، نقاط ضوء تمتد على مساحة الوطن، قد تهدى الأجهزة الرقابية إلى ما قد ينبغى مراقبته، ومتابعة سوءاته، حتى يقع الصيد فى الفخ، بالأدلة وطبقًا للقانون.. ولذا، فإنه يدهشنى نظرة البعض من المنتفعين من المفسدين، وحملة مباخرهم، إلى الدور الذى يقوم به الإعلام وكُتّاب الصحافة وغيرهم، من الغيورين على هذا البلد، ولا يرجون له إلا النجاة والاستقرار، واحتلال المكانة التى يستحقها.. هؤلاء المنتفعون يخلطون الحق بالباطل، ويُعمّهون على الناس، بأن الإشارة إلى فساد شخص، إنما هو هدم للمكان الذى يتولى أمره.. كلمة حق يُراد بها باطل.. فصحيح أن المكان قد يتأثر بسمعة من يتولاه، ويقلل الثقة فيه، لكن الحقائق تدحض الباطل، وسرعان ما يعود الناس إلى سابق ثقتهم للمكان، يوم يرون أنه لم يكن هناك تستر على فساد من أداروه، خاصة عندما يكون إنشاء هذا المكان من أجل الناس، وعلى الناس يحيا.. ولم يُثبت التاريخ يومًا أن كيانًا انهدم لأن شخصًا رحل عنه، ما دام هذا الكيان أُسس على نظام، وإن حدث العكس فهنا تكون الإدانة للشخص القائد أشد، والعقاب أنكى، لأنه جمع كل شىء فى يده، ولم يُحسن إدارة المكان طبقًا لمنظومة واضحة، قادرة على الفعل تلقائيًا، وبجهود المجموع، دون انقطاعها على عقل شخص واحد.

فى واقعة مستشفى سرطان الأطفال «٥٧٣٥٧»، الذى أشاد البعض بإضافاته، وأنكر البعض إنجازاته فى مواجهة هذا المرض اللعين، الذى ينهش أرواح أطفالنا.. قذفته فئة بالحجارة، ونثرت عليه أخرى الورود، يبدو الأمر انعكاسًا لثقافة مجتمع تربى وعاش على أن الإشارة لمواطن القصور فى كيان ما، إنما هى رغبة دفينة فى نفس من يقوم بها، لهدم هذا الكيان والإضرار بمن يتلقون خدماته، دون أن يمر بخاطرنا، حتى ولو من باب «إحسان الظن بالناس» أن القائم بالإشارة على مواطن القصور، والشبهات التى تكتنف التصرفات، يتوق توقًا حميدًا للإصلاح، وإجلاء الحقائق، حتى يطمئن قلب الجميع، ويدركون أن كل شىء على ما نبتغيه له.. تربينا أيضًا على أن التجاهل، وعدم نشر الحقائق، فى ردود منطقية، دون الدخول فى المهاترات والسباب، وكيل التهم بالعمالة والتخوين، إنما هو بيان لقوة وسلامة الموقف.

ولكنا نستنكف النصح ونعده تطاولًا، نستهجن السؤال ونتلقاه اتهامًا، مع أن بيان الحقيقة والرد على التساؤلات، من صميم حق الناس، فيما يتعلق بحياتهم، علاجًا وتبرعًا بالمال، وأنا أعلم أن بعض من يقومون بهذا التبرع، «يؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة»، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. وبقدرة قادر، تحولت القضية إلى تلخيص كيان المستشفى كله فى شخص مديرها التنفيذى، مع أن الفارق كبير، فالكيان باقٍ، والأفراد زائلون، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ﴾ «الرعد: ١٧».. فالاعتراف بجهود د. شريف أبوالنجا فى نجاح المستشفى أمر لا يمكن نُكرانه أو التقليل منه، ونؤمن بأنه من أنجح من قام بتسويق خدماته وجلب تبرعات له، من داخل مصر ومن خارجها، حتى أمّن له ودائع تضمن له الاستمرار فى تقديم خدماته، ولكن هذا لا يُلغى وجود بعض الخلل الذى يجب الإشارة إليه ومعالجته «وَمَن ذا الَّذى تُرضى سَجاياهُ كُلُّها... كَفى المَرءَ نُبلًا أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ»، وإبداء الملاحظات، هنا، وعلى الملأ، يستوجب الرد على الملأ أيضًا، دون أن يكون الفعل ورد الفعل، تشهير بالمستشفى والقائمين عليه، أو تعويق لمسيرته، ودون أن نذهب بعيدًا، بالظن فى وجود رغبة ما بهدم هذا الصرح الطبى العملاق، لحساب كيانات أخرى، فى نفس المجال، قائمة، أو تحت الإنشاء، فلسنا فى حرب عصابات، ولسنا فرقًا أو شيعًا، لأن كل ما تم بناؤه، أو يُبنى، إنما هو لصالح الناس، الذين هم أصحاب هذه الصروح، والمنتفعين بخدماتها.. والغائب هنا، هو إحسان الظن ببعضنا، وقد قيل «رحم الله امرأً أهدى إلىّ عيوبى».

وإذا كان الإعلام، عين الجمهور التى ترى، وأذنه التى تسمع، وهو القائم على نشر الحقيقة، أو الإشارة إلى مكامن الشك لاستجلائها، فما بالنا لو أن بعض هذا الإعلام فى حاجة إلى من يراقبه ويصحح مساره، فى بعض مسالكه المهنية، وكثير من تصرفاته الإدارية.. فقد أهدته التغييرات المتعاقبة، بعض القيادات التى مثّلت إضافة لمسيرته، ورفعت من شأن مؤسساتها- بعد كبوة مرت بها زمن الإخوان- جمعت بين الحنكة الصحفية والمهارة الإدارية، فعمدت إلى تسخير كل شاردة وواردة من إمكانيات مؤسستها، لبنات فى بنائها، يعلو به جدار مجدها، بينما وقعت مؤسسات أخرى فى شر أعمالها، حينما تولى أمرها من كان أسيرًا لمكاسبه الشخصية، فترك قيادتها إلى من يستطيع أن يسد نهمه إلى المال، ويُشبع حرمانه إلى الجاه، متوسلًا بكل السبل، قابلًا لكل الخطايا، حتى لو اكتوت بنيران هذه الخطايا مؤسسة بكاملها، واحترق من فيها عن بكرة أبيها، كما قالها أحدهم، يومًا: «تتحرق المؤسسة على دماغ اللى فيها!».. ونتيجة لهذا النهم، وذلك الحرمان، ارتُكِبت الكثير من المفاسد التى أضرت، ومرت دون حساب، رغم صراخ الكثيرين بأنباء الفساد، مما أعطى انطباعًا لدى الغالبية، أن ذلك مجتمع مُحصن دون مساءلة مفسدية.. صحيح أنى أعلم أن ذلك غير صحيح، بدليل سقوط بعض منهم، وملفاتهم مفتوحة أمام رجال هيئة الرقابة الإدارية، وأعلم أن كل شىء له موعد، لكن طول الأمد يوحى بأنه «ما فيش فايدة» فى استئصال شأفة المفسدين برمتهم!.. فقط، استمعوا لمن يملك المعلومة، فإذا ما اجتمع عليها أكثر من مصدر، تأكد أنها حقيقة، ولا تسأل: أين المستندات؟، ولا تجعلها هى الفيصل، فاستبعادهم عن مناصبهم، هو أضعف الإيمان.. فالمفسدون أساتذة فى إخفاء آثار جرائمهم، ومع ذلك، فاللص لا بد لوجوده من أثر يدل عليه.. فابحثوا عنه، ولا تيأسوا.. ولكن أسرعوا الخطى، قبل خراب مالطة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.