رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور عادل محمود.. هل يموت العمالقة؟


رحل عن عالمنا فى الحادى عشر من شهر يونيو ٢٠١٨ بمستشفى جبل سيناء فى نيويورك، عن عمر ناهز ٧٦ عامًا، إثر إصابته بنزيف فى المخ العالم الجليل الدكتور عادل محمود الذى نعاه عظماء العالم بأعظم الكلمات لما قدمه من خدمات جليلة للإنسانية وعلاج آلاف الصغار.
لقد نعاه مؤسس شركة «مايكروسوفت»، بيل جيتس، قائلًا إن العالم فقد واحدًا من أهم مطورى اللقاحات التى أنقذ بها حياة عدد لا يحصى من الأطفال، وقالت عنه السفارة الأمريكية بالقاهرة فى نعيها له إنه لعب دورا حيويا فى تطوير لقاحات إنقاذ الحياة.
إن الدكتور عادل محمود، هو رائد أبحاث اللقاحات والأمراض المعدية فى العالم، وقد استقر فى الولايات المتحدة، منذ ٤٥ عامًا، قدم خلالها إرثًا ضخمًا من الإنجازات الطبية فى إنتاج لقاحات ضد الأمراض المعدية.
وطوال حياته عاش الدكتور عادل محمود محاولًا مساندة البشرية ودعم استمراريتها، وإنقاذ أطفال العالم من خلال مساهمته فى تطوير اللقاحات ضد الأوبئة المختلفة، كان أهمها لقاحات للحصبة والحصبة الألمانية والجديرى المائى والنكاف، وأخرى للفيروس المسبب لسرطان عنق الرحم، والأعضاء التناسلية والشرج، وآخر يقاوم عدوى فيروس مسبب للإسهال عند الأطفال الرضع.
ولعل خروجه من مصر فى وقت كانت فيه مصر منشغلة بنكستها فى «٦٧»، وعدم وصول أخباره للعامة أسهم فى جهل الكثيرين به حاليًا، لكن المؤكد أنه بالنسبة لأهل الطب فى كل العالم قامة كبيرة، لم يدرك قيمتها وطنه إلا بعد فوات الأوان.
ففى ١٩٦٣، تخرج مطور اللقاحات العالمى عادل محمود، فى كلية الطب بجامعة القاهرة، وبعد ٥ سنوات انتقل إلى بريطانيا لاستكمال دراساته العلمية، ومنها توجه إلى أمريكا فى ١٩٧٣، ليبدأ من هناك رحلته مع إنقاذ الأطفال وتطوير عالم الطب، والتى كان عجزه أمام مرض والده أحد دوافعها.
وعقب وصوله إلى الولايات المتحدة الامريكية، أصبح باحثًا فى جامعة «كايس ويسترن ريزيرف» بكليفلاند فى ولاية أوهايو، وبعد توليه رئاسة قسم الطب فى ١٩٨٧، بعام واحد عمل لصالح شركة «ميرك» كرئيس لقسم التطعيمات، وكانت تلك المحطة هى الأهم فى حياته، لإشرافه على اختراع تطعيم فيروس الورم الحليمى المتسبب فى العديد من وفيات الأطفال، وتطعيم مرض فيروس روتا الذى كان يسبب أنواعا عدة من مرض السرطان، لكنه بعدها تقاعد عن العمل مع الشركة وتفرغ للتدريس الجامعى، وكان أهم مناصبه الجامعية أنه عمل أستاذا بكلية «ودرو ويلسون» لقسم البيولوجيا والأمراض المعدية بجامعة «برينستون» فى ٢٠٠٦.
وفى ٢٠١٣، أسهم العالم المصرى فى حل أزمة التطعيمات التى اجتاحت أمريكا حينذاك، بعد أن شهدت انتشارًا للإصابة بالتهاب السحايا بين طلبة جامعة «برينستون»، فى ظل عدم وجود أى تطعيمات لهذا المرض هناك، مستخدمًا صلاته بالجامعات الأوروبية لجلب المصل والتطعيمات، بل تدخل أيضًا لدى رئيس الولايات المتحدة فى ذاك الوقت، باراك أوباما، للحصول على تصاريح دخولها.
كانت حياة منقذ الأطفال حافلة بالمحطات المهمة التى أثرت فى مستقبله وفى حياة العالم من حوله، خاصة بعد توليه رئاسة الجمعية الدولية للأمراض المعدية، والمبادرة الدولية لمكافحة الإيدز، ومشاركته فى جهود عالمية لمواجهة فيروس إيبولا بعد انتشاره بغرب إفريقيا فى ٢٠١٤، ودعوته إلى تكاتف دولى من أجل تمويل واسع لإنتاج اللقاحات وتطويرها لحماية البشر بعيدًا عن الاستغلال المالى، وإنشاء صندوق دولى للأمصال والتطعيمات على مستوى العالم، استعدادًا لانتشار أى أمراض بشكل مفاجئ.
هذا ويظل هناك الكثير الذى لا نعرفه عن هذا العالم المصرى الجليل الذى وإن فارقنا بالجسد إلا أنه سيظل حيًا معنا بعلمه وبخدماته الجليلة التى أسداها للإنسانية جمعاء.. سلاما لروحك أيها العالم الجليل دكتور عادل محمود.