رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تكونين حبيبتي ويعتل جسدي؟


انتصف الليل.. واكتمل الإرهاق.. تتلألأ أنوار المدينة.. تنطفئ الأحلام والأشواق. انتصف الليل.. واكتمل الزهد.. لا أسمع إلا الصمت.. ونداء الأوراق. انتصف الليل.. واكتمل حصار الذكريات.. أخفى وجهى.. تحت الوسادة والملاءات.
لكنها أصبحت خبيرة فى اقتحامى.. وبارعة فى التحايل وإيجاد الثغرات. انتصف الليل.. واكتمل وجه القمر.. لكننى أريد وجهك أنت.. لا وجه القمر.
انتصف الليل.. اكتملت آهات الألم.. تتسارع محمومة دقات قلبى.. وتم بخير أنين الجسد.. تهتز السماء.. تتساقط فوقى النجوم.. لا أحد معى.. لا أحد.

( لست أنا التى تمشى فوقها الأقدار.. أنا المرأة التى تمشى فوق الأقدار.. لا تقتلعنى الأعاصير ولا تبللنى الأمطار.
أنا بحد ذاتى المطر وأنا الإعصار.. لست العاشقة التى تتأوه بالليل والنهار.. بل أصنع سحر الليل وإشراق النهار.
لا يخيفنى أن أفقد أعز الأحباب.. هم فى دمى يتدفقون كما الأنهار.. لست أيأس من شدة صفعات الألم.. كل متعتى أجدها فى الصبر والانتظار.

كنت الوحيد المناسب لكل العلاقات.. الحبيب.. الصديق.. الأب.. الابن.. الرفيق.
خطفتك الحياة بشراسة وانعدام الحياء.. وتركت ملايين البشر غيرك أحياء.. فقدت الحبيب.. خسرت الصديق.
رحل الأب.. غاب الابن.. ضاع الرفيق.. وما زالت الشمس كل صباح تسطع.. والنجوم كما هى كل مساء تلمع.
والأقدار بدم بارد تصفع وتضرب وتقمع.. وأنا وحدى بدونك وبعدك يدمينى الطريق.. كيف أتعامل مع هذه الحياة.
التى ذبحتك أمامى؟.. كيف أتواصل مع السفاح الجلاد.. الذى قتل أحلامى؟.. قلبى محمل بالمرارة.. مكبل وسط الحريق.. روحى مشنوقة على إيقاعات الزفير والشهيق.

أدخلته إلى العناية المركزة.. بعد أن أدخلنى للنعيم.. وهبنى قلبه النادر الأصيل.. وطعنت قلبه فى الصميم.
كان يطفئ حرائق روحى.. وأطلقته نارًا فى الهشيم.. يفهم مزاجى.. تناقضاتى وحماقاتى
تقلباتى كما الفيلسوف الحكيم.
أبخل عليه بأوقات يحتاجها.. وهو السخى المعطاء الكريم.. موته المبكر ليس عقابًا له
وإنما هو عقاب لى أنا.. كيف أعيش؟.. بتأنيب الضمير والقلب اليتيم؟.

لا أستطيع الهروب من نفسى.. ولا يمكننى أن أغير حياتى.. لن أقدم على الغرق مثل فرجينيا.
ولن أبلع حبوبًا مخدرة مثل داليدا. حياتى التى أدمرها وتدمرنى.. هى ملامحى ومصيرى وقدرى.. «أحبها».. لأنها رغم فوضى كيمياء مخى.. المسكونة بصراخات الجنون.. ورقصات العفاريت.. حياة أصيلة وفريدة.. هى حياتى.. نصف ورثته.. نصف صنعته.. بأعصابى ودمى وتأملاتى.. وأحلامى العنيدة.. أنا كما أنا.
وهذه هى حياتى.. «ابنتى الوحيدة».. أحيانًا ألعنها.. أتنصل منها.. وأنكر عليها أمومتى.. لكن قلب الأمهات.. يرق.. يغفر.. يسامح.. وفى النهاية.. هى التى ستبقى معى.. فى وحدتى وشيخوختى.

كان يخفى آلام جسده.. ليستمع إلى رفاهية.. آلام روحى.. فى صمت يئن.. يتوجع.. لكنه حاضر دائمًا.. ليشفى جروحى.. كلما ازدادت شراسة الألم.. كلما اتسعت ابتسامته الجميلة.. قال لى: «كيف تكونين حبيبتى.. وأمرض؟.. كيف تكونين حبيبتى.. ويعتل جسدى؟... كيف تكونين حبيبتى.. وأرحل؟.. هذه خيانة تخجلنى.. وإن مت.. تكون هى التى قتلتنى لا المرض».