رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط لا يعبدون أيقوناتهم


هل تتذكر عزيزى القارئ، يوم أن أعلن فى معظم وسائل الإعلام رفض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تصريحات نبيل العربى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، والتى قالها عن الكتاب المقدس خلال مؤتمر صحفى، فقال فى معرض حديثه عن السنة والشيعة: «إحنا مش كاثوليك وبروتستانت، عندنا كتب مختلفة وأوضاع مختلفة».
يومها قال الأنبا إرميا، الأسقف العام، رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، على حسابه الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «السيد السفير أمين الجامعة العربية، نشكرك لسعة اطلاعك، ونوضح لمعاليك أن الكتاب المقدس هو كتاب واحد لكل المسيحيين بتعدد طوائفهم، والمفروض أن تحفظ الوحدة العربية، لأنك سفير عن العرب جميعًا أمام العالم»، واضطر الرجل بالطبع لتقديم اعتذاره للكنيسة، وهو بالطبع لم يكن يقصد أى إساءة!.
ولعل حالة الغضب الأخيرة التى سادت الأوساط القبطية حول بعض رسوم نشرتها جريدتنا الغراء «الدستور» تمثل وجوه بعض لاعبى منتخبنا الوطنى بحس وملامح قبطية تمثل نموذجًا آخر لغياب تلك المعارف والثقافات عن المواطن المصرى، حيث تم اعتبارها إهانة لرموز قبطية بإيجاد ربط بين لعب الكرة وأمر دينى غير قابل للتشبه والاستنساخ، وحتى الدارس والمتخصص، وألتمس له العذر، أغضبه أن تكتب الجريدة على الصور «بركاتك يا عدرا»، ولم يفهم أنه بمثابة مناجاة لرمز دينى له الكثير من الاعتبار والقداسة فى المسيحية والإسلام، لينصر منتخبنا، كما يقوم اللاعب بالسجود شكرًا والمسيحى برسم علامة الصليب عند دخوله الملعب وعند خروجه منه، وكلها أمور تأتى بتصورات إيمانية يرى من يقوم بها أنها داعمة له وتمنحه بركات سماوية مطمئنة.
وقد قال الفنان أحمد الصبروتى، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»: «إن سبب اختياره الفن القبطى يرجع لكونه أول وأقدم وأهم محاولات الفنان القديم لرسم بورتريهات واقعية، وتفاعلت معه جميع حضارات أوروبا القديمة والحديثة، ونقلته من الحضارة المصرية وطورته، فالفن القبطى هو الأب الروحى للأيكونوجرافى (فن الأيقونة) المنتشر فى كل العالم». وأضاف عن بورتريهات الفيوم: «إن الفن القبطى كان معاصرًا لمرحلة اضمحلال اقتصادى وتوتر سياسى نتيجة التهديدات العسكرية الخارجية من كل ناحية، بجانب القمع السياسى والدينى الداخلى، فظهرت بورتريهات الفيوم كبديل أرخص وعملى عن التوابيت الفرعونية المنحوت عليها شكل الميت بدقة فائقة، واستعيض عنها ببورتريهات مرسومة بألوان (تمبرا)، وهى ألوان السائل الحامل للصبغة فى صفار البيض». وأوضح: «نتيجة للتهديدات السياسية فى هذا الوقت وعدم الاستقرار، أصبح التوتر والقلق ظاهرًا على وجوه الناس الذين كان يتم رسمهم على التوابيت الخاصة بهم، وكان الفنان القبطى يقوم بتوسيع العيون، فاعتبرت من وقتها إحدى خصائص الفن القبطى التى تدل على قوة إيمان وبصيرة الشخص ورؤيته للحق». وأوضح الصبروتى أنه تمثلًا بهذا الفن، رسم بورتريهاته عن اللاعبين، حيث أظهر التوتر والقلق على «على جبر» وغيره، وكذلك قام بتوسيع عيون اللاعبين، للتعبير عن إيمانهم وبصيرتهم ونقاء أرواحهم، وفى نفس الوقت توترهم وقلقهم نتيجة الضغط والرهبة. وفيما يتعلق بصورة ووجه محمد صلاح، فقد قام بتتويجه بغصن الزيتون الذهبى، وهذا يدل على أن الإنسان فى السماء، وصلاح فعلًا نجم فى السماء، وكتب على صورته (إبؤورو) يعنى الملك، أما محمد الننّى فاعتبر أن ملامحه فرعونية، وهو (نن) العين؛ لذا أضاف له رمز عين حورس على عينه، أما الحضرى فقد كتب عنه بالقبطى (بيشاومويت) يعنى القائد، أما الرسول الأرجنتينى هيكتور كوبر، مدرب المنتخب المصرى وحبيب المصريين، فقد رسمه على هيئة تشبه السيد المسيح أو واحدًا من رسله كدليل على شعبيته ومحبة المصريين له. وأكد أن المشروع يهدف لخروج الفن المصرى القبطى من محبسه والتعريف به للعامة، وإخراجه للأجانب وليس المصريين فقط، مع التأكيد على مصريته، عن طريق ربطه بملامح وجوه مصرية مشهورة ومحبوبة ومشرفة عالميا.. أكتفى هنا بما قاله الفنان لعله قد أوضح مقاصده، وتبين منها ما صعب على أهل التشدد والعصبية قبوله لندرة معارفهم.
وعليه، من الضرورى أن يدرس وينشر ويشهر تاريخ مصر القبطية، لأنه أمر بات يخص البناء الوطنى فى مصر الذى يشكل منذ بداية تاريخ الإنسانية بأيدٍ مصرية وبإبداع يفوق كل ما كتب عن هذا التاريخ حتى الآن، كذلك لاعتبارات تخص الحاضر والمستقبل أكثر منها وصفًا للماضى. إن هذا التاريخ يتضمن دروسًا مهمة أساسية لا تنتج فقط فهمًا يقوى التلاحم الوطنى العام وأسس دعم التسامح الذى يتصف به الشعب المصرى أو القبول بالآخر على أساس الوحدة والتعدد، وإنما تنتج وعيًا صلبًا ضد محاولات تضييع هويتنا المصرية، ففترة التاريخ القبطى تؤكد مدى نجاح المصرى فى مواجهة الهيمنة، وهو من تواصل مع ثقافته ووطنيته لاسترداد دوره الفعال فى التاريخ الإنسانى.
أخيرًا، يا من أغضبتكم رسومات فناننا الجميل، ألا تدركون حقيقة أن المواطن القبطى لا يعبد أيقونات كنائسه.. جاء فى كتابنا المقدس: «لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ» (خر٢٠: ٥). فهو يقصد لا تسجد لها بقصد العبادة على اعتبار أنها إله آخر غير إله إبراهيم.
إذن وجود صور أو تماثيل فى الكنيسة لا يعنى أن هناك عبادة وثنية، إلا إذا قام أحد بعبادة هذه التماثيل أو تلك الصور، وهذا لا يحدث طبعًا.. لقد عنون الكثير من الأدباء والفنانين وكُتّاب المقالات أعمالهم الروائية والفنية «المسيح يصلب من جديد» استلهامًا لكل فصول حدوتة الصلب والفداء العظيمة، فهل أهانوا بذلك السيد المسيح؟!.