رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يزيّف الإخوان التاريخ؟


هل تريد أن تعرف كيف تتحول قصة مختلقة لا أساس لها إلى حقيقة ثابتة فى عقول الناس لا شك فيها؟.. إذن عليك أن تقرأ تاريخ جماعة الإخوان، ففى هذا التاريخ ستقرأ قصصا خيالية لا أصل لها، وسيقسم لك الإخوان على أن هذا لهو القصص الحق.

من هذا القصص ما رواه الإخوان عن سيد قطب وتنظيم ١٩٦٥ الذى أنشأه قطب لاغتيال عبدالناصر وقلب نظام الحكم، وقد روى الإخوان عن هذه القضية الأساطير التى لا أصل لها، بل التى تخالف الحقيقة التاريخية، فيقولون مثلا: إن هذه القضية ملفقة وإنه لم يحدث قط أن أنشأ قطب تنظيما بهذا المعنى.

ثم يقولون إن رئيس المحكمة التى كانت تحاكم قطب قال له: أريد أن أعرف الحقيقة، فكشف قطب عن ظهره وأراه آثار التعذيب وقال له: هذه هى الحقيقة. ويسترسل واضعو الأساطير بأن مدير السجن قبل إعدام قطب قال له: اكتب اعتذارا لعبدالناصر حتى يعفو عنك، فقال قطب: إن السبابة التى توحد الله فى الصلاة لا يمكن أن تكتب اعتذارا لعبدالناصر. ويجمح الخيال بأحدهم فيقول إن الشيخ الأزهرى الذى حضر الإعدام قال لسيد قطب قبل أن يصعد للمشنقة: قل لا إله إلا الله، فنظر إليه قطب وهو يقول: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، ثم يختتم الإخوان أساطيرهم بقصص التعذيب التى تعرض لها قطب، إلى أن تروى أخته حميدة قطب- أو بالأحرى يُروى عنها- أن حمزة البسيونى استدعاها عشية تنفيذ حكم الإعدام وقال لها: إننا نحب الأستاذ سيد ونرى أنكم الجماعة الوحيدة فى العالم التى تطبق صحيح الإسلام ونريد أن ننقذ الأستاذ قطب من الإعدام إذ أمر عبدالناصر أن يتم باكرا، وكل ما نريده هو أن يكتب اعترافا بأنه أنشأ تنظيما لاغتيال عبدالناصر وقلب نظام الحكم، وسأرسلك له الآن فى زنزانته لتقنعيه بالاعتراف، فإذا اعترف سأضمن لك حكما بالبراءة وعفوا صحيا من الرئيس عن الأستاذ سيد قطب، فذهبت حميدة- كما يقولون- إلى أخيها فى زنزانته وأخبرته بما قيل لها فرفض وقال لها: لو كنت قد ارتكبت هذا الفعل لاعترفت وما منعتنى أى قوة على وجه الأرض من الاعتراف. فإذا كنت تريد معرفة الحقيقة عزيزى القارئ فلا تعوِّل على كل ما سلف، فلم يحدث شىء من هذا على الإطلاق، فسيد قطب لم يقع عليه أى تعذيب، فقد قضى فترات العقاب قبل إعدامه فى مستشفى السجن، والإخوان هم الذين يقولون ذلك، ويتحدثون عن الفترة الأولى التى حبس فيها قطب فقالوا فى كتبهم: «قضاها فى مستشفى السجن وأرسل له فى هذا المستشفى حسن الهضيبى يسأله عن تكفيره للناس فأنكر أنه كفَّر أحدا»، ثم إن أحدا لم يقل لنا: من أين عرف الإخوان أن مدير السجن طلب منه أن يكتب اعتذارا لعبدالناصر قبل إعدامه؟، هل أخبرهم بهذا مدير السجن؟! أم أن سيد قطب قام من موته وأخبر الإخوان بما حدث؟!، ولأن هذه المعضلة وقفت أمام الإخوان فقد حاولوا إخفاء تلفيقها، فقالوا: كان واحد من الجند يحرس زنزانة قطب- الذى هو فى مستشفى السجن من الأصل- وكان يظن وفق ما قيل له أن قطب هذا من اليهود، فرآه يقوم الليل ويقرأ القرآن، ويتعرض من أجل ذلك لتعذيب بشع- فى مستشفى السجن- وتصادف أن كان هذا الجندى هو الذى اقتاد قطب لغرفة الإعدام، فرأى وقال وقص علينا ما حدث من مسألة السبابة التى توحد والاعتذار المرفوض والشيخ الذى قال له قطب: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، هذا والله شىء عظيم، ولكن من هو هذا الجندى؟، ما اسمه وأين كتب اعترافه هذا، فلن تجد جوابا لهذا. أما الأغرب فهو ما روى على لسان حميدة قطب من أن حمزة البسيونى طلب منها أن تقنع قطب بالاعتراف بالجريمة ولكن قطب رفض بإباء وشمم، ووجه الغرابة أن سيد قطب اعترف أصلا اعترافات تفصيلية بتنظيمه ومخططاته، بل إن قطب كتب هذا الاعتراف بخط يده، وهو موثق فى القضية، وقد اعترف الإخوان بصحة الاعتراف.
وقد قاموا بوضعه فى كتيب بعد ذلك ونشروه على حلقات فى مجلة «المسلمون» تحت عنوان «لماذا أعدمونى؟!»، فكيف يطلب حمزة البسيونى من حميدة قطب أن تقنع أخاها بالاعتراف بارتكاب الجريمة وهو معترف بالجريمة فعلا. وفى اعتراف قطب بالقضية يقول: «وهذه الأعمال هى إزالة رءوس فى مقدمتها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربى، ثم نسف لبعض المنشآت التى تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفى خارجها- كمحطة الكهرباء والكبارى- وقد استبعدت فيما بعد نسف الكبارى كما سيجىء». وفى موضع آخر يقول: «وبناء على ذلك اتفقنا على الإسراع فى التدريب، بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له، باعتباره الخطوة الأخيرة فى خط الحركة وليس الخطوة الأولى».
وأظن أن الإخوان سيقولون إن قطب اعترف تحت وطأة التعذيب، لندور فى دائرة مفرغة إذ سنقول: فلماذا إذن طلبوا منه أن يوقع على اعتراف إذا كان معهم اعتراف بخط يده؟!. هذه القصص تناقلها الإخوان وبكوا وأبكوا معهم الغافلين، واشتهر أمر قطب بسبب أن الإخوان جعلوا من نهايته مأساة كربلائية، وصدق كثير من الناس أن نظام عبدالناصر طلب من قطب أن يعتذر فأبى، وطلب منه أن يعترف فأبى، وقال: السبابة والإصبع توحد لله ولا تعتذر، وما جاء بى هنا إلا لا إله إلا الله، وكأن عبدالناصر نقم منه أنه من الموحدين.. هل عرفتم كيف يزيف الإخوان تاريخهم؟.