رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللهم بلغنا ليلة «قدرنا»


ما إن تأتى الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان حتى يبدأ كل مسلم فى السؤال عن ليلة القدر.. الليلة العظيمة التى جعلها الله خيرًا من ألف شهر، ونزّل فيها القرآن الكريم هداية للناس ونورًا، وهى ليلة السلام والأمان، يقول تعالى «سلامٌ هى حتى مطلع الفجر»، حيث يسلم العباد من عذاب الله وينعمون برحمته. ولعظم فضل هذه الليلة التى تعادل العبادة فيها وقيامها العبادة أضعاف عمر الإنسان، فإن المسلمين يتحرون العلامات الدالة عليها، وتنتشر الآن على موقع «يوتيوب» فيديوهات مدتها حوالى ١٠ دقائق لمراقبين لطلوع الشمس، تستخدم كاميرات دقيقة عالية الجودة تحاول تحرى ليلة القدر تطبيقًا لقول النبى (ص) ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، وهناك من يدّعى توصل وكالة «ناسا» الأمريكية لتحديد موعد ليلة القدر. كما تنتشر دراسات لباحثين يحاولون تحديد ليلة القدر فى الأعوام السابقة والأعوام التالية، وأيًا كان مدى صحة هذه المحاولات أو عدمها فإنها تدل على الحرص على ثواب هذه الليلة المباركة اقتداء بالنبى (ص) الذى كان يتفرغ للعبادة فى العشر الأواخر من شهر رمضان.

وتنتشر حكايات من أيام الجدات عمن شاهد هذه الليلة المباركة واستطاع أن يميزها بعلامات، كرؤية نور فى السماء أو تشكّل السحب بأشكال للملاك، والشعور المفاجئ بالسكينة.. إلخ، وهى مشاهدات تعكس الرغبة الشديدة لمعرفة ليلة القدر ونوال ثوابها.
ورغم عِظم ليلة القدر إلا أن العارفين بالله وأهل التصوف يرون أن كل ليلة يتقرب فيها العبد إلى ربه هى ليلة قدر، وهى أوقات التجلى كيـفمـا كـان، إذ يرفع فيها حجاب الغيب بين الله وعبده، وهى إيذان بالدخـول فـى الرحمـة المباركـة، فكل ليالى الطاعة والعبادة ليلة قدر.

يقول الإمام القشيرى: «الليلة المباركة: هى الليلة التى يكون العبد فيها حاضرًا بقلبه، مشاهدًا لربه، يتنعم فيها بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة».
فمن فاتته ليلة القدر فليلتمس فى دوام المراقبة لله ليلة قدره، وقد تتحقق للمرء ليلة قدره عند عيادة مريض أو مساعدة محتاج، أو فك كرب غارم، أو شهادة حق فى وجه ظالم أو فاسد.. فهذه الطيبات تجعلنا نتصف بصفات الله ونكون يده التى يجبر بها عباده المستضعفين فى الأرض، فمادام الرب موجودًا ومادام العبد قائمًا بالطاعة فرحمة الله ومغفرته دائمة الوجود، فنحن لا نطلب ليلة القدر لذاتها ولكن لأنها أحد الأبواب التى دلنا الله عليها للوقوف بها، وأبواب الله لا يخيب من يقف أمامها، ويدق عليها.