رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدور الغائب للمسجد.. إحياء المؤلفة قلوبهم



تنبع الرغبة فى تفعيل دور المسجد فى حياة المسلمين من إدراك عِظم الدور الذى يمكن أن تساهم فيه هذه المؤسسة فى تطوير الواقع والنهوض بالأمة، فواقع الأمر أننا نعانى تراجعًا على كل ‏المستويات الفكرية والثقافية والأخلاقية، ورغم ما يسود المجتمع من مظاهر التدين السطحى وتردد الكثيرين على المساجد إلا أن نسبة المترددين تتماشى طرديًا مع نسبة انتشار الفساد فى الشارع، ‏الفساد بتفاصيله الصغيرة.. جشع التجار وزيادتهم لأسعار السلع بما لا يتناسب مع أى زيادة تقررها الحكومة، إهمال العمال والصنايعية وعدم إتقانهم لعملهم، إلقاء المهملات فى الشارع، مخالفة ‏قواعد المرور، السب والشتم بالدين وبالوالدين لأتفه الأسباب والصراخ بصوت عال.‏
إن هذا الفساد يدل على انعدام التربية، والنفوس الصدئة لا يجليها النصح والإرشاد والوعظ، ولكن يؤثر فيها أن تعرض عليها مظاهر الجمال وأن يتكرر عرضها حتى تتشربها ويزول صدأها ويهر ‏معدنها النفيس. ‏
إن الفن لا يكون فنًا إلا إذا كان يقدم لمتذوقيه قيم الإتقان والجمال. إن من تتدرب أذنه على سماع الموسيقى الراقية، تأبى نفسه الاستماع للألفاظ البذيئة ولا تنسجم روحه مع العشوائية والتخبط ‏والإهمال. ‏
يقول البعض وما الذى سيفعله عرض مسرحى، أو معرض للفنون التشكيلية، أو ندوة عن كتاب للتنمية البشرية فى المسجد وهناك أماكن متخصصة لهذه المجالات؟. ‏
نعم هناك أماكن مخصصة للثقافة، لكن الناس فى بلادنا يهابون الثقافة والفنون الراقية، مع أنهم يتفاعلون معها ويقدرونها إذا قدمت إليهم، الناس فى بلادى، يفكرون فقط فيما هو متاح ولا يقدرون ‏على الاختيار أو التعرض الانتقائى، فيجلسون أمام القنوات الفضائية التى تحشى أدمغتهم بالهراء.‏
إذا قامت المساجد، وهى متاحة فى كل مكان، ولا يتكلف المسلم عناء الذهاب إليها، ولا يدفع تذاكر أو رسوم لدخولها- بتقديم الفنون والثقافة الراقية للمواطنين، إذا نظمت رحلات مدعمة للمتاحف ‏والأماكن التاريخية حتى يتعرف المواطنون البسطاء على بلادهم وحضارتها، فستساهم ويكون لها أجر وثواب الارتقاء بذوق وحس الإنسان المسلم.‏
إن للمسجد دورًا مهمًا فى الوعظ والنصح والإرشاد والتعريف بالدين، ولكن ذلك لا يتم فقط بالخطابة أو حلقات الوعظ، لقد تطورت أدوات ووسائل الإقناع، إن ما يقدمه فيلم عن حياة الرسول الكريم ‏وكيفية معاملته لأهل بيته ورفقه بهم وبأصحابه يفوق تأثيره عشرات المرات أعمق الخطب بلاغة. ‏
إننى أدعو لأن يتحرر المسجد من عباءة الجمود، وأن ينفتح ويفتح للإنسان المسلم أفاقًا للخيال والإبداع، أن يساعد فى تحرير عقول المسلمين من التقليد وترديد المقولات والأحكام التى لا تتناسب مع ‏العصر، وتجعل فى نفس المسلم غصة إما أن يُسلم بما فى جاء فى التراث من مقولات تنافى العقل أو أن يكون مطعونًا فى إيمانه.‏
الأنشطة الثقافية فى المساجد ستخلق جيلًا من المسلمين قادرًا على التفكير العلمى واستخدام المنطق ولن يقبل بالتدنى الأخلاقى الذى يحاصرنا. ويتم الإنفاق على هذا النشاط من موارد الزكاة وليكن ‏هذا من سهم المؤلفة قلوبهم، إذا كان عمر بن الخطاب قد ألغى هذا السهم عند توزيع الزكاة، فإننى أطالب بعودته ويكون للإنفاق على المسلمين الفقراء روحيا وجماليا وذوقيا، لكى نجذبهم إلى الرقى ‏والحضارة ويكون الإنفاق منه كى تؤلف القلوب مع الثقافة والفنون والجمال التى هى جزء من دين الإسلام.‏