محمد فودة يكتب: سيدة الدراما
- كيف أكدت غادة عبدالرازق نجوميتها بـ«ضد مجهول»؟
شهد الموسم الدرامى الرمضانى الجارى كثيرًا من المفاجآت بالنسبة للدراما الاجتماعية، التى ينتظرها المشاهد من عام لآخر، وتمكن مسلسل «ضد مجهول» للفنانة غادة عبدالرازق، من احتلال موقع الصدارة فيها، محطمًا كل التوقعات.
وما زلت على قناعة تامة بأن دراما رمضان ٢٠١٨ تعد بمثابة مرحلة فاصلة ونقطة فارقة بالنسبة للكثير من الفنانين والفنانات، ولصنّاع الدراما، فهناك أعمال نجحت وأخذت أبطالها إلى عنان السماء، وأخرى هبطت إلى الهاوية وسحبت معها أبطالها إلى بئر الفشل، فأصبحت نسيًا منسيًا، ولم يعد يذكرها أحد على الإطلاق.
ولأننى مهتم برصد حركة الدراما فى رمضان، فإننى أرى أن الأعمال التى تستحق المشاهدة بالفعل قليلة جدًا قياسًا بهذا الكم الهائل من الأعمال التى اكتظت بها شاشات الفضائيات، وسأتناول بعضها بالتفصيل، على مدى الأيام المقبلة.
المسلسل أعاد بطلته لمكانتها المعهودة.. وأيمن سلامة شريك فى النجاح
أعتقد أن سر نجاح مسلسل «ضد مجهول» يكمن فى تلك «الخلطة السرية» التى لا يعرفها أحد، والتى استطاعت من خلالها غادة عبدالرازق، بطلة المسلسل، أن تحتفظ لنفسها بما حققته من نجومية، ما جعل المسلسل بمثابة تميمة الحظ بالنسبة لها فى دراما رمضان ٢٠١٨.
قد يتهمنى البعض بالتحيز لـ«غادة عبدالرازق»، ولكن هذا ليس تحيزًا بل هو رأى كونته من خلال مشاهدتى المسلسل ومتابعة ردود الفعل القوية عليه، إلى جانب ذلك فإن «غادة» وإن كانت قد أخفقت بعض الشىء خلال السنوات الماضية فمن حقها أن تعود مجددًا فى صدارة المشهد.
ومن منطلق رؤيتى النقدية ووجهة نظرى الخاصة كمتخصص فى هذا الجانب من الكتابة، فإننى أستطيع القول إن الاختيار الجيد والذكى للفكرة التى يقوم عليها مسلسل «ضد مجهول» يعد من أهم العوامل التى ميزت المسلسل بين الكم الهائل من المسلسلات الرمضانية الأخرى.
فلو نظرنا إلى الموضوع الذى يتناوله مسلسل «ضد مجهول»، سنجده ينتمى إلى نوع الدراما الاجتماعية شديدة الخصوصية، ويتميز بالتركيز على عنصرى التشويق والغموض وتأكيد معانٍ إنسانية رفيعة المستوى، فهو يتناول قضية الاغتصاب من خلال قصة إنسانية رائعة الحِبكة.
واللافت للنظر أنها ليست مجرد قصة يتم تقديمها من أجل الاستهلاك الإعلامى فحسب، بل إن المسلسل ألقى الضوء على قضية الاغتصاب وطرحها باعتبارها قضية رأى عام، فالأحداث الدرامية وما تتخللها من تفاصيل دقيقة لهذه القضية شديدة الحساسية تتطلب وقفة مجتمعية ضد مرتكبى تلك الجرائم.
وهنا تبرز قيمة مسلسل «ضد مجهول»، فهو- المسلسل- لم يكن مجرد دراما اجتماعية للتسلية والفرجة فقط، بل إنه تحول إلى صرخة مدوية ضد خطورة هذه الظاهرة التى باتت تؤرق المجتمع، فخطورة قضية الاغتصاب طالت الجميع، ولم تفرق بين غنى وفقير لأنه فى حقيقة الأمر سلوك إنسانى غير سوى لا يرتبط بفئة معينة.
كل ذلك جعل المسلسل فى صدارة الأعمال الدرامية التى يحرص على مشاهدتها الجمهور الذى مل من تلك الأعمال الدرامية، التى تفتقد إلى وجود الموضوع الهادف، ويركز صنّاعها على الموضوعات «التافهة».
وحينما أتوقف أمام أداء غادة عبدالرازق فلا بد من الإشارة إلى أنها تُثبت من جديد موهبتها التى تفوح بعبق الإحساس المرهف والمشاعر المتدفقة ببساطة وعفوية وتلقائية تُحسد عليها، وكأنها قد أرادت بعد عدم توفيق ظل يلازمها عدة سنوات مضت أن تثبت لجمهورها أنه لا يزال لديها من الموهبة الكثير.
أثبتت «غادة» بأدائها فى المسلسل أحقيتها بلقب «فينوس الدراما المصرية» الذى أطلقته عليها منذ سنوات، وظل عالقًا فى وجدان الناس ومرتبطًا بها لأنها فنانة بمعنى الكلمة، فهى تقدم أدوارها ببراعة وإتقان وصدق، وهو ما جعل أدوارها تبقى دائمًا عالقة فى الأذهان لتتحول شيئًا فشيئًا وكأنها جزء من حياة المشاهدين.
ومهما أعادت القنوات التليفزيونية عرض مسلسلاتها ستراها وكأنها تُعرض للمرة الأولى، ويكتشف فيها المشاهد أبعادًا وكنوزًا فى ملامح الشخصية التى تعيشها غادة عبدالرازق فى كل حلقة، بل فى كل مشهد، لتصبح فى النهاية أيقونة النجاح والسعادة والأمل لكل عشاق الفن الجميل والمتقن.
الحديث عن الإتقان فى العمل وجمال القصة التى يتناولها المسلسل يدفعنى إلى الكتابة عن مؤلف «ضد مجهول»، وهو السيناريست المتميز والكاتب المتمكن أيمن سلامة الذى أعتبره بمثابة شريك النجاح مع غادة عبدالرازق، حيث قدما معًا من قبل المسلسل الرمضانى «مع سبق الإصرار».
وأود الإشارة هنا إلى أن أيمن سلامة يعتمد فى كتاباته على أسلوب التشويق والغموض، ما يخلق حالة اشتباك يومى مع المشاهد، الذى يظل متعلقًا بمتابعة المسلسل حلقة تلو الأخرى، منساقًا وراء الفضول فى معرفة ماذا تخبئ الحلقات المقبلة من أحداث مشوقة.
وفى تقديرى، فإن هذا النوع من الكتابة صعب جدًا ومجهد، لأنه يتطلب قدرة فائقة ومواصفات خاصة يجب أن يتحلى بها المؤلف، حتى لا تتوه منه الأحداث نظرًا لكثرة التفاصيل وتشعب المواقف.
والحق يقال، فإننا فى مسلسل «ضد مجهول» جاءت الحِبكة الدرامية على قدر كبير من الإتقان، هذا التميز الذى ترتب عليه ظهور المسلسل على هذا النحو من النجاح الكبير واحتلال موقع الصدارة.
طارق رفعت مخرج له مستقبل.. وفراس سعيد مشروع نجم كبير
يدور المسلسل فى إطار من الغموض والإثارة حول مهندسة ديكور تُدعى «ندى وصفى» متزوجة ولديها ابنة، تحدث خلافات كبيرة بينها وبين زوجها الذى يعترض على عملها واهتمامها الزائد به وتأخرها كل يوم.
يطلقها الزوج بعد أن يُخيرها بينه وبين عملها، فتختار عملها، ويحرمها من ابنتها الوحيدة، وتمر البطلة بحادث كبير يقلب حياتها رأسًا على عقب، وتفاجأ بقتل ابنتها بعد تعرضها للاغتصاب، فتبدأ فى البحث عن القاتل فى جو ملىء بالإثارة والغموض والتشويق.
وحينما أكتب عن التميز والتألق فى مسلسل «ضد مجهول»، فلا بد أن أشيد بالمخرج المجتهد طارق رفعت، فرغم أن المسلسل يعد ثانى تجاربه الإخراجية، فإنه وبكل صدق يجعلنا أمام مخرج متميز سيكون له شأن كبير فى هذا المجال مستقبلًا.
«رفعت» استطاع ببراعة أن يقدم المَشاهد ببساطة وسلاسة دون أن يُصاب المُشاهد بالملل، على الرغم من تعقيدها وتضمنها تفاصيل صعبة للغاية، وأعتقد أن المخرج طارق رفعت أسهم بدور كبير فى هذا المستوى الذى ظهر عليه المسلسل.
ولفت نظرى أيضًا فى إخراج مسلسل «ضد مجهول» هذه النقلات رائعة الدقة من مشهد إلى آخر، وفى القدرة على إظهار المشاعر الفياضة لدى الممثلين وهم يجسدون الشخصيات التى يؤدونها، وهذا فى حقيقة الأمر من أهم العناصر التى تُجبر المشاهدين على البقاء أمام الشاشة والاستمرار فى المشاهدة عن طيب خاطر.
ومن بين عناصر التميز والتألق فى مسلسل «ضد مجهول» هذا الدور الذى قدمته الفنانة روجينا التى برعت فى أداء الشخصية التى تقدمها، فعلى الرغم من أنها قدمت من قبل عدة أدوار متنوعة فى أعمال درامية أخرى فإنها فى هذا المسلسل ازدادت بريقًا ونجومية، ما يدعوننى إلى القول إنها أصبحت قادرة على تقديم بطولة مطلقة، بعد هذا النضج الفنى الذى وصلت إليه عبر مشوارها الملىء بالأدوار الناجحة والمتميزة التى تستحق عنها كل تقدير واحترام.
استوقفنى أيضًا أداء الفنان فراس سعيد، هذا الممثل السورى الأصل الأرجنتينى الجنسية، بعد أن قدم دورًا محوريًا، فبالرغم من أنه ليس نجمًا فإنه بهذا الأداء الرائع والبراعة فى إتقان الشخصية يمكننى القول إننا أمام مشروع نجم.
ومن بين المشاركين أيضًا فى المسلسل، نجد الفنانة حنان مطاوع التى قدمت دورها بإتقان، فتجاوب معها المشاهد وحرص على متابعتها.
وفى السياق نفسه، أرى أن الفنان المتمكن أحمد سعيد عبدالغنى قد اختار لنفسه خطًا دراميًا، ليؤكد مجددًا من خلال «ضد مجهول» نجوميته التى استطاع أن يصل إليها من قبل. أما المطرب والفنان دياب والفنان محمد جمعة، فأراهما اجتهدا فى تجسيد شخصيتيهما بشكل يستحقان التحية عليه.
«سينرجى» توفر مقومات النجاح.. والعمل جماعى مكتمل الأركان
جمال وروعة مسلسل «ضد مجهول» وتميزه اللافت للنظر، أمر يدفعنا للإشارة إلى ضخامة الإنتاج الذى يقف وراء المسلسل ليظهر على هذا النحو من الفخامة.
من يشاهد المسلسل منذ عرض الحلقة الأولى يلمس بوضوح ضخامة الإنتاج والإنفاق على التصوير بشكل واضح، وهو ما وفرته شركة «سينرجى»، فمثل هذا النوع من الدراما الاجتماعية التى تعتمد على التشويق والإثارة والغموض، يتطلب تصويرًا بشكل معين ويتطلب توافر إمكانيات عديدة لن يحققها سوى وجود جهة إنتاجية كبيرة قادرة على استيعاب تلك المتطلبات، التى أراها أساسية وضرورية فى خلق تلك الحالة التى صنعها المسلسل من حيث متعة المشاهدة وروعة الأداء الذى بذله فريق العمل وكأنهم على موعد مع التميز والحصول على نصيب الأسد فى نسبة المشاهدة.
خلاصة القول، نحن الآن أمام مسلسل توافرت فيه كل العناصر التى أهلته لأن يصبح فى الصدارة، ورغم أننى كنت على يقين من أن هذا المسلسل سيحظى بنسبة مشاهدة عالية فإن الواقع أثبت أنه لم يكتف بكونه أحد أهم المسلسلات الدرامية هذا العام، بل أصبح المسلسل الأعلى مشاهدة والأفضل على الإطلاق من بين الأعمال الدرامية الاجتماعية التى تعتمد على التشويق والغموض.
وتكمن أهمية ما حصل عليه مسلسل «ضد مجهول»، فى أن هناك أعمالًا كثيرة تناولت موضوعات اجتماعية، إلا أن هذا المسلسل تفرد وتميز بقوة الموضوع الذى يقدمه وقدرته على جذب المشاهد.
ورغم كل ما تناولته فى مسلسل «ضد مجهول»، فإننى أشد على يد فريق العمل وأهمس فى آذانهم بأن ما حققوه لم يكن يتحقق بأى حال من الأحوال لو لم تكن تلك الروح الجميلة تسود بينهم، فقد شعرت أن الجميع يقدمون أدوارهم فى حالة انسجام، وكأنهم يعزفون سيمفونية رائعة الجمال بقيادة مايسترو متمكن يعرف جيدًا كيف يجعل الجميع من حوله يذوبون فى العمل.
والمايسترو الذى أعنيه فى قولى، النجمة غادة عبدالرازق التى اعتادت أن تجعل جميع الفنانين الذين يشاركونها أى عمل منسجمين فى أدوارهم، فتكون النتيجة أن يخرج العمل على مستوى عالٍ من الجودة.
نحن بالفعل أمام عمل جماعى مكتمل الأركان، تلك الأركان التى جعلت منه عملًا دراميًا متميزًا يحتل الصدارة بين الأعمال الناجحة التى ربما تعد على أصابع اليد الواحدة.
تحية تقدير لأسرة مسلسل «ضد مجهول» وتحية واجبة لـ«فينوس الدراما المصرية» التى أمتعتنا هذا العام بمسلسل سيظل عالقًا فى أذهان المشاهدين من فرط جماله وتميزه ومضمونه وقدرته على جذب المشاهدين وإجبارهم على الاستمرار فى متابعته.