رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طرق رفع الروح المعنوية من سُنة النبى


على العكس من المتطرفين الذين يعملون على إفساد الروح المعنوية وتثبيط الهمم، فإن صناعة الروح العالية داخل المجتمع هى من سنة النبى صلى الله عليه وسلم، الذى سعى فى الشهر الأول من استقراره بالمدينة إلى رفع الروح المعنوية بين المهاجرين والأنصار، من خلال عدة طرق، أولاها أن الإنسان له روح: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ»، وكذا المجتمع والأماكن أيضًا.
فالمهاجرون عانوا من اضطهاد قريش لمدة ١٣ سنة، وهاجروا إلى بلد آخر لا مأوى لهم ولا مال، يمزقهم ألم فراق الأهل والوطن، وطبيعة عملهم كانت مختلفة عن طبيعة عمل أهل المدينة، فهم مهنتهم التجارة، والأنصار مهنتهم الزراعة، لتنتج عن ذلك حال بطالة، ويظهر أهل الصفة، وهم أشد الناس فقرًا.
تزايدت الأعباء على الأنصار، فقد أصبح لزامًا عليهم أن يزرعوا لأنفسهم وللمهاجرين، فقل المحصول، ونتج عن ذلك وضع اجتماعى واقتصادى متأزم، وظهرت أمراض شديدة بين المهاجرين، نظرًا لأن مناخ المدينة كان قاسيًا عليهم، فأصيب أبوبكر بحمى شديدة، حتى خافوا عليه من الموت.
وبين الأنصار، هناك علاقات متوترة بين الأوس والخزرج، نتيجة ١٠٠ سنة من الحروب بينهما، إضافة إلى تواجد كفار ومنافقين و٣ قبائل من اليهود، وكانت المدينة وقتذاك تعداد سكانها ١٠ آلاف نسمة.
إزاء ذلك الوضع، عمل النبى على الانتقال من الهم للهمة، وفى أول خطبة له بعد دخوله المدينة خطب قائلًا: «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
خطاب موجه لكل الناس، ليس المسلمين فقط، انتزع خصومة الدين والقبيلة، دعاهم إلى إفشاء السلام، أى أن يحركوا السلام داخل المجتمع، من خلال نشر الأمان المجتمعى، حثهم على إطعام الطعام، لأن هناك فقراء خاصة بين المهاجرين، وعلى صلة الأرحام، وهو كلام موجه للأوس والخزرج يخاطب فيهما روح الأخوة والقرابة، حتى يفضا النزاع الذى بينهما، ويتعايشا فى سلام، والشىء الأخير هو صلوا بالليل والناس نيام، جعل الصلاة تذكرة دائمة للمعانى، فتكون الصلاة للحياة.
خطبة حمت المجتمع من الصراع، وتضمنت عناصر صناعة الروح له، كل كلمة فيها الوطن بحاجة إليها، وهذا هو تجديد الخطاب الدينى المطلوب تحقيقه.
كانت قصة إسلام سلمان الفارسى نموذجًا فى طريقة صناعة الروح المعنوية، فقد أخذ يتنقل من الشام للعراق لليمن بحثًا عن نبى آخر الزمان، حتى علم من راهب أنه ظهر فى الجزيرة العربية، فتوجه إلى المدينة، وكان عبدًا لسيد يهودى، فلما رأى إمارات النبوة رمى نفسه فى حضن النبى وانكب على يده يقبله وأسلم.
طلب اليهودى ٣٠٠ مائة فسيلة نخل يغرسها، وأربعين أوقية من ذهب، حتى ينال سلمان حريته، فقال النبى للصحابة: «أعينوا أخاكم»، فتحركوا يجمعون الفسائل، كل حسبما يقدر حتى جمعوها، فقال النبى «اذهب وهم معك فاحفروا لها ولا تغرسوها حتى أضعها بنفسى»، فحفروا، وجاء النبى فغرسها بنفسه.. فوالله ما يبست منها فسيلة واحدة.
أصر على أن يغرسها بنفسه، ويقوم بتشجير المدينة، من أجل أن يرفع الروح المعنوية بين الناس، حتى الكفار بالمدينة رأوا أنها أصبحت أجمل مما كانت، فالنخل وإن كان فى أرض اليهودى، لكن المجتمع سيستفيد منه، من أجل هذا غرس النخل بيده الشريفة.
أمر ثانٍ فعله النبى لرفع الروح المعنوية، وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
قامت فكرة المؤاخاة على أن كل مهاجر قديم فى الإسلام يسكن فى بيت أنصارى، من أجل أن يذوب المجتمع فى بعضه، لم يكن الهدف وحده حل مشكلة السكن، ولا التكافل المادى، بل الهدف سكنى واجتماعى وتربوى ومعنوى وتكافل واحتضان وتعليم.
ما فعله النبى كانت له أصداء إيجابية داخل مجتمع المدينة، وتحققت بفضله إنجازات كبيرة، حيث كان كل أنصارى يقاسم المهاجر فى بيته، يتقاسمان الطعام، لكن المهاجرين كانوا يأبون: ويقولون: أين السوق لنعمل؟، فاستطاع النبى أن يقضى على حالة الإحباط، وأن يزرع مكانها الحب، وكما يقولون: الحب يصنع المعجزات.