رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الانفعال والمبادرة فجوة كبيرة


من المعلوم أن لغتنا التى نستخدمها فى مواجهة المواقف الصعبة، تكشف سلوكياتنا. فاللغة المستخدمة فى المواقف الصعبة، تعلن عن شخصياتنا والمثل يقول «تكلم حتى أراك»، فشتان الفرق بين لغة التواصل والبناء والإصلاح، ولغة الانفعال حتى قيل كنصيحة لمتحدث «إذا لم تكن لديك أدلة قوية فارفع صوتك عاليًا» ظنًا أن الانفعال يبرر إعفاءهم من المسئولية. بينما قائل آخر مبررًا انفعالاته: إننى ربيت هكذا ولست مسئولًا عن هذه التصرفات التى لا أستطيع التحكم فيها.

وتحت موضوع «دروس حول تغيير الشخصية» لستيفن كوفى يقول «أثناء إحدى الندوات نهض رجل وقال للمحاضر: يعجبنى ما تقول لكن كل موقف يختلف عن الآخر.. خذ مثلا علاقتى الزوجية وأنا قلق بشأنها لأننى أنا وزوجتى لم نعد نكن لبعضنا البعض المشاعر ذاتها كسابق عهدنا. وأعتقد أننى لم أعد أحبها كما أنها لم تعد تحبّنى أيضا. فما الذى يسعنى القيام به؟ فسأله المحاضر ألم تعد بينكما أية مشاعر؟ فأجاب السائل لدينا ثلاثة أطفال وكلانا قلق عليهم فماذا تنصحنا بعمله؟ فكان رد المحاضر (أحبها). فرد المشارك (لم تعد بيننا أية مشاعر)، كرر المحاضر (أحبها)، كرر السائل ذات الكلام: لم يعد حب بيننا فكرر المحاضر: إذًا أحبها فإذا لم تعد بينكما مشاعر كما تقول فهذا أدعى لأن تحبها، فرد السائل (كيف تحب عندما لا تحب؟)، فكان رد المحاضر المتخصص (إن الحب فعل، والمشاعر هى ثمرة الحب، أى الفعل، لذا أحبها واخدمها وضحِ لأجلها واستمع إليها وقدّرها). هل أنت قادر على هذا؟». ويؤكد المحاضر أن الحب فعل ولكن توصيفه بأنه مشاعر هو تعريف خاطئ، فالحب شىء يقوم به الشخص يصاحبه تضحيات تبذل من أجل الآخرين، ومن يُرد دراسة الحب، فلا بد أن يقرأ عن الذين بذلوا تضحيات من أجل الآخرين، حتى من أجل الذين هاجموهم أو لا يحبونهم، فالوالد يكن الحب لأبنائه، وكم من التضحيات التى يبذلها من أجلهم. فالحب هو قيمة تتحول إلى واقع من خلال الأفعال التى تدل على الحب. إن المبادرين يضعون المشاعر فى مرتبة أدنى من القيم، ومن ثم يتمنى لهم استعادة الحب والمشاعر.

ومن الواضح أن هناك خلطًا بين الأفعال والمشاعر، الأمر الذى يضاعف من تراكم المشكلات، مع الوضع فى الاعتبار أن المشكلات قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، والمشاكل قد تكون خارجة عن السيطرة، حيث لا ناقة لنا فيها ولا جمل. فالمشاكل المباشرة تتعلق بسلوكنا، أى أننا صانعوها، وهناك مشاكل تتعلق بتصرفات الآخرين، وهى ليست مباشرة، أما النوع الثالث من المشاكل فهى تلك الخارجة عن السيطرة مثل مشاكل مضى عليها زمن، ومن يُرد مواجهة هذه المشكلات، فليبدأ بالمباشر منها وذلك بالتركيز على عاداتنا، فهى تقع فى دائرة تأثيرنا. أما المشكلات غير المباشرة فحلها بأسلوب تغيير التأثير بفكر متفتح من جانبك، بدلًا من محاولة تغيير الآخر فقد تفشل، ومن ثم تخسر العلاقة.
أما المشاكل الخارجة عن نطاق السيطرة، فإن الشخص الأقوى عليه المبادرة بأن يبدأ هو بالتغيير من جانبه، أى البداية من الشاكى لتغيير العدائية إلى البشاشة، وتقبل المشكلة برضا وسلام نفسى، والتعلم منها حتى لو لم نكن نحبها حتى لا نسمح بسيطرة المشكلة علينا، وهناك دعاء جميل هو «يا إلهى امنحنى الشجاعة لتغيير الأشياء التى فى استطاعتى تغييرها (بل ويتعين علىّ تغييرها)، وامنحنى الهدوء والسكينة لتقبل الأشياء التى لا أستطيع تغييرها، وامنحنى الحكمة لإدراك الفرق بينهما». وفى كل الحالات، فالإنسان قادر على تغيير عاداته إذا أراد، وتغيير نظرتنا للمشاكل الخارجة عن سيطرتنا، ولكنها تقع داخل دائرة تأثيرنا.