رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قليل من الشر لا يضر


دار الحديث خلال الأيام الماضية حول اتجاه وزارة التربية والتعليم لتطوير العملية التعليمية، وزاد النقاش بين الأمهات ومعظمهن متخوفات من التغييرات والمناهج الجديدة.. وهذه المخاوف تعكس عدم الثقة الدائمة فيما تطرحه الحكومة من أفكار للتطوير، وقد يكون هناك بعض العذر من أولياء الأمور فى هذا الخوف، ولكن اللا منطقى هو تشبث أولياء الأمور بخوفهم، رغم قيام الوزير ومعاونيه بشرح النظام التعليمى الجديد، ودائمًا ما يتردد الاتهام الموجّه للمناهج المصرية بأنها مليئة بحشو زائد، وأنها أسوأ مناهج فى العالم، وهو اتهام مرسل، فلم يقُم شخص بإجراء دراسة مقارنة بين محتوى المنهج الدراسى لسنة معينة، ولتكن الصف الخامس، والمحتوى الدراسى للصف نفسه فى أحد البلدان المتقدمة.
إن الهدف الحقيقى من العملية التعليمية، سواء كانت المناهج محشوة أو فارغة، هو إكساب الطالب مهارة التفكير العلمى.. إن ما نستفيده من التعليم ليس ما نحفظه ونحصل به على الدرجة النهائية فى الامتحان، بل هو ما يغيّر رؤيتنا للعالم ويغيّر طريقة تفكيرنا وينتقل بنا من عصر القطيع إلى عصر الجد والاجتهاد.. أيًا ما يكون محتوى المنهج الدراسى أو طريقة الامتحان فلا بد من تطوير طريقة تفكير أبنائنا بحيث نزرع فيهم حب الاستطلاع، والمرونة، والمثابرة، والواقعية، والانضباط، والدقة، والقدرة على قبول تعدد الاحتمالات.
إن بناء الشخصية السويّة المعاصرة وتحرير العقول الصغيرة من ضلال التنميط والاستسهال وخلط الأوراق، يحتاج إلى تضافر جهود الجميع من نظام سياسى وأولياء أمور.
فما معنى أن يحصل ابنى على الدرجات النهائية فى ورقة الامتحان ولا تكون لديه مهارة التفريق بين الصالح والطالح من الأفكار، وألّا تكون لديه عقلية نقدية تسمح بفحص ما يحيط به من مقولات ومسلّمات، وألّا يكون له هدف محدد يسعى لتحقيقه وهذا الهدف يتجاوز مجرد دخول كلية من كليات القمة؟.. عليه أن يعرف ما هى حياته وماذا يريد منها وماذا يفعل لكى يحقق ما يريد، ومتى يفعل.
إن القدرة على طرح الأسئلة هى البداية التى يمكن أن نشجّع عليها أبناءنا.. القدرة على نقد الذات والآخر فى إطار علمى منضبط وليس مجرد الكلام المرسل والجعجعة الفارغة.
إن كم الشتائم التى تلقاها لاعب الكرة الذى أصاب «محمد صلاح»، يدل على انفلات عقلى لقطاع واسع من مواطنينا، اللجوء للبذاءة والصوت العالى والقوة لا يعكس غير طريقة تفكير ديماغوغية بعيدة عن التفكير العلمى السليم.
كان يمكن أن نؤثر فى ذلك اللاعب ونشعره برفضنا ما فعل بطرق أكثر حنكة، طرق مخططة بها تفكير منضبط لتحقيق نتائج محددة.. نتائج تؤثر فيه حقًا، فى مصالحه، فى استقراره النفسى والمهنى، من خلال الاستفادة من الخبرات التكنولوجية.
إن الدعوة لتحرير العقل أو التفكير العلمى لا تعنى فى كل الأحوال الدعوة للخير أو المثالية.. ففى بعض الأحيان قليل من الشر لن يضر.. لكن بالعقل.