رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيم الإنسانية فى سيرة النبى


كلف النبى صلى الله عليه وسلم بالرسالة فى سن الأربعين، وظل يدعو إلى الإسلام لمدة ١٣ سنة فى مكة، قبل أن يهاجر إلى المدينة، واستقر فيها حتى وفاته، واستطاع خلال ١٠ سنوات أن يبنى أمة الإسلام، وهى الفترة التى انتشر فيها الإسلام فى شبه الجزيرة العربية وخارجها.

خلال الفترة التى أقامها النبى بالمدينة، بلغ عدد غزواته سبعًا وعشرين غزوة، لم تستغرق جميعها أكثر من ٥٤٠ يومًا، يعنى أقل من سنتين انشغل خلالها المسلمون بالحروب، وأكثر من ثمانى سنوات كان التركيز خلالها على الحياة، بناء إنسان، بناء حضارة.
فضلًا عن الفترة التى أمضاها فى مكة فى نشر دعوة الإسلام، ليتضح أن ٧٪ فقط من حياة النبى كانت حروبًا، لذا فالتعامل مع السيرة على أنها حروب فقط، هو تحريف لها، ومن ينظر إليها وفق هذا المنظور، فهو يبرر الحرب والصراع تحت اسم النبى.
فمن الضرورى أن نعلم أن السيرة ليست صراعًا، وإنما هى حياة نتعلم منها حتى اليوم الحب.. الرحمة.. الإبداع.. القيم.. الأخلاق.. النجاح.. السعادة.. الحياة الجميلة.
فالسيرة حياة، لأنك ستجد فيها كل احتياجاتك، كان النبى صلى الله عليه وسلم خلالها قاضيًا، داعيًا، مصليًا، قائدًا، زوجًا، أبًا، حما، عاش حياة الغنى والفقير، عاش حاكمًا ومحكومًا، عاش أعزب، ومتزوجا من امرأة واحدة ومتزوجا من عدة نساء، زوج بناته ودفن أولاده (ولدين و٣ بنات دفنهم بيده)، عمل راعى غنم وتاجرًا، بنى مؤسسات، أقام حضارة.
لن تجد نبيًا ولا مصلحًا حياته غنية بكل احتياجات الحياة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك من أسمائه فى كتب السنة «الجامع»، لأنه الجامع لاحتياجات الإنسانية، لذا ينبغى أن نقتدى به فى وفائه ورحمته وعفوه وأخلاقه.
فى العام الماضى كنت فى ألمانيا، قابلت أستاذًا ألمانيًا متخصصًا فى مقارنة الأديان خلال أحد المؤتمرات، قال لى إنه يريد أن يعيش بقية حياته بطريقة النبى محمد فى الحياة (السُّنة)، فقد وجد أن أفضل طريقة للحياة هى محمد «لايف ستايل».
فى الأكل: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع..»، فى الإتيكيت «تبسمك فى وجه أخيك صدقة»، معاملة المرأة:» «أفضل الصدقة لقمة تضعها فى فم زوجتك..»، فى الإبداع.. كل الحلول لدى النبى مبدعة من خارج الصندوق.
فبدأت أفكر مثله: فى التسامح، لم يكن يتذكر شيئًا سيئًا لأحد، أو يذكّره بما كان يصنعه معه، فهم معنى «السيرة حياة» على أنها طريقة صحيحة نعيش بها فى الحياة، بينما نحن اختزلناها فى التدين الشكلى الذى يقوم على المظهر ويخلو من الجوهر فى فهم حقيقة الإسلام.
هذا لا يعنى أن نعيش حياة النبى فى عصره، دون أن نراعى التطورات المذهلة التى شهدها الكون، فهناك اختلاف فى الزمان، واختلاف فى البيئة، لكن هناك من فهم الأمر على أن الحياة تجمدت عند عصر النبى، فنلبس مثلما كان يلبس، ونركب مثلما كان يركب، دون أى تغيير، حتى لا نكون أصحاب بدعة.
والسؤال: كيف فهم مثل هذا معنى أن النبى رحمة للعالمين، وهو يوقف الزمن عنده؟، فالمعنى أنه مستمر لكل زمان ومكان.
بينما هناك فريق آخر يرى أن حياة النبى التى مضى عليها أكثر من ١٤٠٠ سنة لا تصلح لهذا الزمن، على الرغم من أنه نفسه يعيش بأفكار أرسطو وسقراط، وهما من قبل الميلاد، إذن ما الحل: أن نعيش حياة النبى (طريقة حياته.. أخلاقه وأفعاله) وليس عصر النبى (الزمن الذى كان يعيش فيه).
وإذا كان الزمن يتغير، وما كان فى عهد النبى لم يعد موجودًا الآن، إلا أن حياته ستظل باقية: «خيركم خيركم لأهله»، و«أفضل الناس إيمانًا أحسنهم أخلاقًا»، «إن الله جميل يحب الجمال».
هذه هى القيم التى يجب أن نتمسك بها، إن أردنا أن نعيش حياة النبى لا عصره، ومن الضرورى العمل على تحرير السيرة من الأفكار المتطرفة، واستلهام الدروس والمعانى منها، وعلى رأسها نتعلم كيف عمل الرسول صلى الله عليه وسلم على بناء الإنسان.