رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحياة عملية تربية مستمرة


ينظر العقل المفكر على أن التقدم والتطور شىء طبيعى، وأن الغد سيحمل اختراعات واكتشافات جديدة أكثر تطورًا، وأن الارتقاء والتقدم حركة متصلة خلال التاريخ.
تعد الحضارة الإغريقية نموذجًا لتأثير الفكر الجاد والاستفادة من العقل واتباع أوامره ونواهيه، لقد كانت هناك حضارات سبقت الحضارة الإغريقية وحضارات تلتها ولكن الحضارة الإغريقية اهتمت بالتفكير فى معنى الإنسان، ومن ثم فإن الحضارة الإغريقية هى الأصل فى التفكير الفلسفى من حيث المنهج العلمى المتمثل فى البحث فى الأسباب والأدلة، فى حين قدمت الحضارة الفرعونية المضمون المعرفى للبشرية.
وقد كان الإغريق يعتقدون أن كل حضارة وكل ارتقاء يقومان على التربية، التربية المستمرة التى تدوم طوال الحياة، والاستفادة من قوى العقل وتحسينها إلى ما لا نهاية، فى حين قامت حضارات أخرى على مبدأ القوة، النفوذ، السلطان، الرفاهية، أما الإغريق فكان شاغلهم الأساسى تحسين العقل.
وما زالت الأعمال اليونانية الخالدة فى الدراما محط اهتمام الباحثين بسبب غنى أفكارها وترديدها صوت العقل فيما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولا يوجد شك أن لكل حضارة مميزاتها وعيوبها ولكن الحضارة الإغريقية كانت محاسنها ومميزاتها أكثر من عيوبها، خاصة فيما يتعلق بموضوع المعرفة ونشر الفكر نشرًا حرًا.
إن حاجة أى مجتمع للأفكار ليست حاجة ثانوية أو أن تكون الأفكار التى يتم نقاشها وتداولها مجرد زينة أو حلية زخرفية، بل إن للأفكار دورها الحيوى والوظيفى الذى يدفع بالمجتمع للارتقاء. إن قيمة الحياة تزداد إذا نظرنا إليها على أنها تجربة تعلم، وفى كل يوم نتلقى أفكارًا وننتج أفكارًا، ومن خلال هذا التلاقح المستمر بين الأفكار والقدرة على تنظيمها وتحليلها تكون قدرة الإنسان على الارتقاء، ولا يختلف شخص عن آخر ولا مجتمع عن مجتمع إلا فى القدرة على تنظيم والتفاعل مع الأفكار.
ويلاحظ المؤرخون أن الحضارات التى تزدهر هى الحضارات التى تؤثر التفكير على ما سواه، أما الحضارات التى انهارت فهى حضارات آثرت أو مالت إلى تجميع الثروة والملذات. والعقل إن لم تهمله فهو معين لا تنضب قواه.