رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

7 عقود على جريمة القرن.. المعركة مستمرة


فى مطلع القرن الماضى، وبالتحديد عام ١٩٠٥، كتب مثقف عربى مهموم بالهم القومى، اسمه «نجيب عازورى»، كتابًا تحت اسم «يقظة الأمة العربية»، تنبأ فيه، قبل أكثر من أربعة عقود من اغتصاب الحركة الصهيونية لفلسطين، واحتدام الصراع المصيرى بين العرب والصهاينة، بالمعركة الممتدة التى جرت وتجرى على أرضها. كتب «عازورى»: «هناك حادثان مهمان من طبيعة واحدة، لكنهما متعارضان، وهما: يقظة الأمة العربية، والجهد اليهودى الخفى لإنشاء «مُلك إسرائيل» القديم من جديد، وعلى مقياس أوسع»!.
إن مصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلى أن تغلب إحداهما الأخرى، ومصير العالم كله منوط بالنتيجة النهائية لهذا الصراع»!.. كانت القوى الاستعمارية التقليدية قد اكتشفت، مبكرًا، أهمية الموقع الاستراتيجى لبلادنا فى «صرة العالم»، وعند ملتقى طرقه الحاكمة، قبل أن يتأيد هذا الاكتشاف، بآخر موازٍ، عزَّزّ، بل ضاعف من هذه القيمة: مخزون النفط، محرك الحضارة الحديثة، وسر النهضة الغربية المعاصرة.
وفى زمن سابق اتجه «نابليون بونابرت» إلى مداعبة المطامع الصهيونية، فى سعيه لاجتذاب يهود العالم إلى صف الاستعمار الفرنسى، وبعيدًا عن الغريم التقليدى، الإمبراطورية البريطانية، وهو يحاول تثبيت أقدام حملته العسكرية على الشرق: مصر وفلسطين، واستمالتهما لمساعدته على فتح عكا، بعد أن استعصت المنطقة على أطماعه، فخاطبهم قائلا:
«أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد(!). انهضوا بقوة أيها المشردون فى التيه، إن أمامكم حربًا مهولة يخوضها شعبكم، بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التى ورثها عن الأجداد غنيمة، تُقسّم بينهم حسب أهوائهم!.. إن الجيش الذى أرسلتنى العناية الإلهية به، ويمشى بالنصر أمامه والعدل وراءه، قد اختار «يورشاليم»، (القدس)، مقرًا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التى استهانت طويلًا بمدينة «داود»، ملك إسرائيل وأذلتها(!).. سارعوا. هذه هى اللحظة المناسبة التى قد لا تتكرر لآلاف السنين للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التى سُلبت منكم لآلاف السنين، وهى وجودكم السياسى كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعى المطلق فى عبادة إلهكم، «يهوه»، طبقًا لعقيدتكم».
ولم تتوقف الجهود التى بذلتها الإمبراطورية الفرنسية، والبريطانية، وقوى رأسمالية أخرى، رأت للحركة الاستيطانية اليهودية فى فلسطين «دورًا وظيفيًا» بالغ الأهمية، فى قلب واحدة من أهم مناطق العالم، إن لم تكن الأهم بالفعل. ومن هنا ليس صدفةً أن يؤدى العمل الدءوب لفرض هذه الفكرة الاستعمارية، إلى عقد المؤتمر الصهيونى الأول، بعد قرن واحد، ثم أن يُعلن وبتواطؤ صريح من الأطراف الاستعمارية، وخاصةً البريطانية ميلاد دولة الكيان الصهيونية، «إسرائيل»، وطرد الشعب الفلسطينى، بقوة القهر والإرهاب، بعد نحو نصف قرن آخر، فى منتصف مايو عام ١٩٤٨.
ومنذ ذلك الحين، وحتى الآن، لم تكف هذه «الدولة» عن شن الحروب، وممارسة القتل والترويع، وتخزين الأسلحة الفتّاكة، واحتكار السلاح النووى، وخدمة كل المشاريع الاستعمارية، الفرنسية والبريطانية، وحتى الإمبريالية الأمريكية، واستخدمت كل عمليات التعذيب والتحقير والإبادة، التى مارسها النازى ضد اليهود وباقى الشعوب، لإذلال وإبادة الفلسطينى والعربى، حتى أصبحت «المجزرة»، على نحو ما وصفها «إيلان هاليفى»، «هى استمرار للسياسة عند الصهيونية»!.
ورغم ما تقدم، فبعد سبعين سنة على اغتصاب فلسطين. لم يُهزم الفلسطينيون، ولم يرفعوا الرايات البيضاء، ولم تفلح دولة الاغتصاب فى إبادتهم كالهنود الحمر، بل ازداد تعدادهم، حتى وصل عام ٢٠١٨ إلى أكثر من ١٣ مليونًا، يعيش أكثر من نصفهم فوق الأرض الفلسطينية، ويحمل كل منهم فى جيناته حلم العودة إلى أرض الأجداد!.