إكرام لمعى: تعنت الكنيسة فى الطلاق يؤدى إلى الزنا.. ونحتاج «لاهوت عصرى»
- طالب المؤسسة الدينية بلعب دور إصلاحى وإقرار حرية الانفصال.. لأن «ليس كل زوجين جمعهما الله»
- منع الزواج بين الطوائف «عنصرية» والكنيسة الإنجيلية خذلت الناس فى قضية الزواج المدنى
- الكنيسة لم تقم بدورها كضمير للمجتمع.. والمحافظون وراء عدم رسامة المرأة قسًا
- الكنيسة تتمسك بـ«القديم».. وتحريم انتقاد الفكر الدينى «تخلف»
- المصريون فراعنة وليسوا عربًا.. واختصار مريم فى كونها علبة سوليتير حفظت المسيح «جهل»
انتقد الدكتور القس إكرام لمعى، أستاذ علم الأديان، الكنيسة الإنجيلية المصرية، معتبرًا أنها خذلت المسيحيين الذين عولوا عليها فى الإصلاح، خاصة فى قضية «الزواج المدنى».
ورأى «لمعى»، وهو رئيس مجلس الإعلام والنشر فى الكنيسة الإنجيلية، فى حواره مع «الدستور»، أن رفض الزواج بين الطوائف نوع من العنصرية، لافتًا إلى وجود حالات زنا كثيرة تقع بسبب هذا التعنت، بحانب لجوء البعض إلى التحول الصورى للإسلام عن طريق التزوير للنجاة من زيجة فاشلة.
وأكد «لمعى» ضرورة التغيير، وتقديم خطاب عصرى يواكب التغيرات، ويفهم عقلية الشباب ووسائل التواصل الحديثة.
■ بداية.. هل تُجرى الكنيسة الإنجيلية أى محاولات للإصلاح الدينى؟
- الكنيسة تتمسك بالخطابات القديمة وبفكرة المؤسسية، ولا تزال تحكمها النظرة السائدة بأن العودة للقديم هى الأفضل دائمًا، وهذه سمة عربية ومصرية، فى حين أن التقدم والتطور يحتاجان إلى أفكار إصلاحية جديدة.
مثلًا فى موجة الإلحاد، نحن نحتاج خطابًا يقدم الفكر المسيحى بشكل جديد، فمع ظهور مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أننا لا نزال عاجزين عن صياغة خطاب يفهم طبيعة هذه المواقع ويستغلها للوصول للشباب.
■ على ذِكر الإلحاد.. هل تربطه أى علاقة بـ«العلمانية»؟
- هناك علمانية ملحدة وأخرى غير ذلك، والقول إن العلمانية بشكل عام ملحدة كلام غير منصف. كلمة العلمانية خرجت فى الأساس من الكنيسة، فالعلمانى عكس «الإكليروس» أى رجل الدين، ومع الوقت ظهرت العلمانية الملحدة، لكن هناك أيضًا النوع المتدين منها، ووضع الاثنين فى سلة واحدة خطأ كبير.
■ ما مدى رضاك عن تعامل الكنيسة فى قضية الزواج المدنى؟
- أعترف بأن الكنيسة الإنجيلية خذلت الناس فى هذه القضية، وكان من المفترض أن تلعب دورًا إصلاحيًا، فالزواج إذا كان فيه عذاب فإنه ليس من الله، لكن الكل يتمسك بآية أن «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان»، لكن من قال إن كل زواج من الله، هناك زواج مصلحة مثلًا من أجل المال أو من أجل الجنسية.
الكنيسة تقول للناس: «لا طلاق على الإطلاق»، لكن الصح أن نقول: «من جمعهم الله يحفظهم الله ولا يفرقهم إنسان، لكن إذا كان من لم يجمعهم الله وهم من جمعوا أنفسهم فلينفصلوا»، وهنا الكنيسة لا تتحمل وزرهم.
لكن عندما تمنع حريتهم فى الطلاق فإنها فى هذه الحالة تتحمل وزرهم، لأن هناك حالات زنا تقع فى الكثير من الحالات بسبب تعنت الكنيسة فى مسألة الطلاق.
■ تاريخيًا.. كيف كان التعامل فى موضوع الزواج؟
- الكنيسة حتى القرن الـ١٢ لم يكن لها دخل، وفى الكتاب المقدس لا بولس الرسول ولا بطرس ولا كل الرسل بعد المسيح زوجوا أحدًا، كان المسيحيون يتزوجون ويطلقون على القانون الرومانى ثم القانون المصرى.
وحتى القرن السادس كان العريس والعروس يمران أمام الأسقفية ويباركهما الأسقف أو البطريرك بإشارة من يديه، ومع مرور الوقت بدأ العروسان يدخلان الكنيسة حتى وصلنا للطقس الكنسى الحالى بمباركة الزواج، واليوم لدينا آلاف «لا محصلين متزوجين ولا متطلقين».
ومع ذلك، أنا لست ضد أن تقول الكنيسة إن الطلاق «خطية»، أنا أيضًا أؤمن بأنه «خطية»، لكن أى اثنين قررا الانفصال فليتحملا وزر أنفسهما، خاصة أن هناك أزواجًا وزوجات يتحولون للإسلام بشكل صورى كتحايل على القانون وتزوير، للهروب من زيجة فاشلة.
علينا أن نقتدى بالبلاد حول العالم، مثل تونس والمغرب وأمريكا اللاتينية ودول إفريقيا، فكلها تأخذ بالزواج والطلاق المدنى.
■ هل هناك انقسامات فى الكنيسة الإنجيلية حول هذا الأمر؟
- لا أستطيع أن أقول إنها انقسامات، لكن هناك خلافات فى الآراء، بين تيارين أحدهما أصولى والآخر أكثر انفتاحًا.
■ كيف ترى «كورسات المشورة» قبل الزواج؟
- فى مصر لم يكن لدينا ما يسمى الثقافة الجنسية، وكانت الاجتماعات الروحية فى الكنائس تفصل بين الرجال والنساء، لذلك المشورة الأسرية والجنسية واللقاءات الإنسانية والفكرية قبل الزواج مهمة للغاية.
■ ما رأيك فى الزواج بين الطوائف؟
- فكرة عدم الزواج من الطوائف «نوع من العنصرية»، لأن الزواج فى كل مكان فى العالم أمر شخصى، مثلًا فى الولايات المتحدة يجب ألا يسأل أحد الآخر عن الديانة، ولديهم قناعة تقول: «لا تسأل رجلًا عن دينه ولا امرأة عن سنها».
■ تحدثت فى مقال لك عن مفهوم «الإسلام الصحراوى».. ماذا تقصد به؟
- نحن لسنا عربًا لكننا فراعنة، والسوريون واللبنانيون فينيقيون، والعراقيون آشوريون، أما العرب فهم من بدو الصحراء، ولما جاء الرسول محمد اختلط البدو بالحضارات فنتج عن هذ الاختلاط الإسلام الحضارى.
وبالتالى فى مصر وجد الإسلام المصرى، وهناك إسلام سورى وإسلام لبنانى، أما التصحر الذى أقصده فهو عدم التخلى عن الجمل والصحراء، لكن فى المقابل مصر تتمتع بالنيل والخضرة، لهذا تطبع حضارتها على الأديان التى تدخلها.
■ لكنك دُعيت مرة لفعالية تحت عنوان «المؤتمر المسيحى العربى».. ألا يتناقض هذا مع فكرتك؟
- لا يتعارض، فنحن بالفعل لسنا عربًا ولكنّ هناك مسيحيين تعربوا بفعل اللغة، نحن مصريون عرب، لأن الثقافة واللغة عربية، ومسيحيو الديانة. والمؤتمر كان يقصد المسيحيين العرب ثقافًة وليس عرقًا ولا دينًا، ولا لبس فى هذا، وسبق لمكرم عبيد القول: «أنا مسيحى دينًا ومسلم ثقافة».
■ يُقال إن النقد والتفكير ضد الدين.. كيف تنظر للأمر؟
- أراه تخلفًا، لأنه لا يوجد ما يسمى نقد الدين، فكل ما نتناوله هو الفكر الدينى، وهناك فرق بين الدين المسيحى والفكر الدينى المسيحى، والأخير هو اجتهادات اللاهوتيين، ولهذا نتجت عنه مدارس مختلفة، إنجيليون وكاثوليك وأرثوذكس، وكل طائفة لها أفكار مختلفة ومدارس لاهوتية مختلفة.
مشكلتنا أننا نعتبر أن ما نفكر فيه هو الدين، وبالتالى نخلط بين الدين المسيحى وفكره، فتلجأ القيادات الدينية للخداع لقتل الاتجاه النقدى، وتتهم النقد بأنه ضد الدين وليس ضد الفكر، وهذه طريقة مخادعة.
النقد ضرورة وليس رفاهية، وعلينا أن نستمع للشباب ولنقدهم أفكارنا ونقدم اللاهوت المناسب للتغيرات المعاصرة والاكتشافات.
■ هناك تعاليم كنسية إنجيلية تشبِّه العذراء بأنها «علبة سوليتير احتوت جوهرة المسيح ولا قيمة لها بعد ذلك».. ما تعليقك؟
- هذا كلام يدل على جهل، ومن يقول ذلك هم طائفة «الإخوة»، وليس الكنيسة الإنجيلية المشيخية، فلدينا كتب عن العذراء مريم ومكانتها الكبيرة، وعلى الرغم من أننا ضد الظهورات للقديسين أو العذراء، لكن لا يجوز أن نقلل من مكانتها الكبيرة كأم المسيح.
■ كيف ترى علاقة الفرد بالدين فى البلاد العربية؟
- علاقة مشوهة محكومة بالمؤسسات الدينية مثل الكنيسة والمسجد، وكلاهما يصدران تعاليم افعل ولا تفعل، فتصير العلاقة طفولية.
المفروض علاقتى بربنا تكون حرة، «عاجبنى كلام الكنيسة أتبعها فى أشياء وأرفضها فى أخرى»، حسبما يمليه علىّ ضميرى.
ودائمًا الدول العربية تتعامل مع مواطنيها عبر المؤسسات، فالفرد لا يستطيع أن يعيش وفق مقاييسه هو، وإذا فكر وتمرد على الكنيسة أصبح خارجًا على الدين.
■ فى اعتقادك.. هل من الضرورى فصل الدين عن السياسة؟
- لا يوجد فصل بين أى شىء والسياسة، كل البشر يمارسون السياسة، فنحن إذا أكلنا فهى سياسة، وإذا امتنعنا عن الطعام سياسة أيضًا.
ولا بد أن نفرق بين الدور الكهنوتى «العبادة» والدور النبوى، الأول يختص بكل مظاهر العبادات مثل الصوم والصلاة، أما الثانى فهو الوقوف ضد الظلم والفقر والانحراف.
والكنيسة على مدى عصرها نادت بتحرير العبيد والمرأة، ولو رأت خطأ فى الدولة لا بد أن تعلن وقوفها ضد الباطل، أنا عمومًا أؤمن بأن للكنيسة دورًا فى إعلان الحق.
أما ما يجب أن تمتنع عنه الكنيسة فهو احتراف رجال دين المشاركة فى سياسة الدولة، وحتى الآن الكنيسة لم تقم بدورها كضمير للمجتمع بشكل كامل.
■ ماذا عن اشتباك الكنيسة مع القضايا المثيرة للجدل مثل الوحى الشفهى والاكتشافات العلمية؟
- نؤمن بالإعلان العام، أى أن الله يعلن عن نفسه فى القصص مثل «الوصايا العشر»، وفى قصة إخناتون كانت هناك تسابيح نجدها قريبة جدًا من «سِفر المزامير»، فرغم أنه كان وثنيًا، لكن كلها كانت محاولات للوصول إلى الله.
أما العلوم مثل نظرية التطور والاختراعات الحديثة، فإيماننا المسيحى لا يهتز، ولا يجب أن نقيّم الكتاب المقدس ككتاب علمى، مثلما أرفض فكرة الإعجاز العلمى فى القرآن.
■ ما رأيك فى قانون بناء الكنائس خاصة بعد تقنين أكثر من ١٦٠ كنيسة فى المحافظات؟
- القانون خطوة جيدة على الطريق، وأرى أن هناك حماسًا من الدولة فى تفعيله لسرعة تقنين الكنائس، كما أنه سيحد من الفتنة الطائفية، لأن الأقباط فى آخر ١٠ سنوات كانوا يشترون بيتًا باسم شخص موثوق فيه ممن فى القرية أو المدينة، وبعد الانتهاء من البناء تفتتح الكنيسة، فلم تكن إقامة كنيسة أمرًا سهلًا.
لكن بعد صدور القانون المفروض أن تحمى الدولة الكنيسة وتقنن وضعها وتكتب الأرض ملكًا للكنيسة، وتمنع أى شغب فى محيطها من قبل المتطرفين فيما بعد.
■ أخيرًا وبشكل عام.. ما تقييمك للفترة الرئاسية الأولى للرئيس السيسى وتأثيرها على الملف القبطى؟
- أعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسى «رئيس الضرورة»، لأن ما دونه فوضى وتيارات إرهابية وبدائله لا تبشر بالخير، إما «فوضى ٢٥ يناير» أو إرهاب الإخوان. وكنت أتمنى أن تظهر الانتخابات الماضية بشكل مختلف، بمعنى أن توجد اختيارات عدة.
لكن ورغم كل ما فى المرحلة من أزمات، إلا أن الرئيس السيسى هو أفضل من جاء لمصر بالنسبة للمسيحيين، لأن «مبارك» هو من ربى السلفيين لضرب الإخوان كأنه يربى وحشين أمام بعضهما، أما السيسى فقادر على تحقيق الأمن دون اللجوء لهذه الأساليب.
لماذا رفضت الكنيسة الإنجيلية رسامة آن إميل كأول قس امرأة؟
- كل الكنائس الإنجيلية فى العالم رسّمت قسيسات، وهن الآن ناجحات فى كل ما يفعلنه، لأن المرأة لديها طاقة كبيرة ولا بد أن نعطيها الفرصة، وأنا ضد عدم رسامة المرأة قسًا، وأرى أنه لا مانع فى ذلك.
وما حدث كان نتيجة غلبة التيار الكبير المحافظ، فالقسيس فى الكنيسة الإنجيلية يختلف عن الكهنوت فى الأرثوذكسية.