رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلطجة استعمارية


لا جديد، من وجهة نظرى، فى العدوان الأمريكى ـ البريطانى ـ الفرنسى، الأخير، على سوريا. فهو يؤكد المعلوم بالضرورة، ويثبت الثابت، بوقائع التاريخ والجغرافيا، والوعى والذاكرة. وأول ما يؤكده هذا العدوان، هو استمرار النزوع الاستعمارى لدول المركز الغربى المتقدم. ألم تقم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بعدوان مشابه على مصر، عام ١٩٥٦، عقابًا لها على تأميمها قناة السويس التى حفرها مواطنوها، على ترابها، وفوق أرضها؟!.
وكما داست هذه الدول الاستعمارية، فى السابق، تحقيقًا لمصالحها، على حقوق الدول والشعوب والأوطان، تدوس اليوم، فرضًا لإرادتها، على حقوق الاستقلال والسيادة، ومواثيق الأمم المتحدة، واتفاقية ويستفاليا (١٨٦٦)، وكل ما شاركت، هى ذاتها، فى وضعه، من أسس ومبادئ حاكمة، فى مجال العلاقات الدولية، لكى تُحل محلها، وبوضوح لا يقبل الشك، مبدأ كان ولم يزل سائدًا، يُقر بأن القوة، بمفهومها الشامل، وخاصةً القوة العسكرية، هى أداة القول الفصل، والحسم والحزم، فى تحديد شئون العالم، وأن الدول الاستعمارية، القديمة والجديدة، عيَّنت من نفسها، وهى الخصم الرئيس فى الصراع، قاضيًا وحكمًا، وحددت «الجريمة»، وأصدرت الحكم، وتولت تنفيذ العقوبة، بين عشية وضحاها، قبل إجراء أى تحقيق.
هكذا كان وضع الأمور فى الماضى، وهى تتصور أن هكذا سيكون الحال فى المستقبل.
لقد قيل، وسيقال الكثير حول أسباب ودوافع هذه الضربة، ومستهدفاتها، وحدودها، لكن المؤكد أنها ستطلق مجددًا موجات من الشكوك والاستقطابات، على مستوى العالم كله، كما أنها بداية، كما لاحظ البعض، لحرب باردة جديدة، ولسباق تسلح جديد لا حدود لأبعاده، فى خلفيته، لا بد أن يكون واضحًا، حسابات صعود اليمين العنصرى، والشعبوى، المتطرف فى معظم دول الغرب، ومحاولة لجم جموح العملاق الصينى المتقدم، وحصار المحاولات الروسية للوقوف على القدمين، فى أعقاب لملمة جراح «الاتحاد السوفيتى السابق» على يد بوتين، والإعلان عن ثروات المنطقة التى تسيل اللعاب، وآخرها حقول الغاز الهائلة المكتشفة شرق المتوسط، والمختزنة فى المياه السورية على وجه التحديد.
لم تنه الضربة النظام السورى، أو تلحق به أضرارًا جسيمة، بل على العكس، زادته قوة، لأنه مستهدفُ من الأعداء التقليديين للعرب، وضاعفت من أسباب كراهية أمريكا وحلفائها بين شعوب المنطقة، وزادت من حدة هشاشة الوضع العربى، وضاعفت حدة الانشقاق داخل وحداته المهترئة، فمنها من أيّد الضربة، ومنها من أدانها، ومنها من اتخذ موقفًا مائعًا، والمحصلة المزيد من التشرذم والانقسام!.
وجاءت هذه الضربة، لكى تنشر سحابة كثيفة من الدخان، تخفى وراءها ما يجرى على الأرض الفلسطينية من مواجهات دامية بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الصهيونى، التى يسقط فيها مئات الشهداء والمصابين، على مدار الساعة.
كما أنها ستؤثر بالسلب على فرص واحتمالات التطور السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى دول المنطقة، وتُسعِّرُ من لهيب الاحتقان الطائفى، وتصادر الحريات، وتشحن ميراث الكراهية والرغبة فى الانتقام، على مختلف المستويات.
ولا يعنى هذا أن السبل للتعافى ومواجهة هذا المأزق الخطير لا وجود له. على العكس: الأمل باقٍ، لكنه يحتاج إلى مناخ، وشروط.
وأول وأهم هذه الشروط: توفر الإرادة للخروج من هذه الكمّاشة، وثانيها: تصليب تماسك البنية الهيكلية للدول العربية حتى لا تتداعى، وثالثها: العمل على تحقيق نهوض وطنى وقومى شامل، ينهى واقع التخلف، وبؤس الأحوال، ويرمم البناء على كل المستويات، حتى لا نظل مطمعًا لكل طامع، ومحطًا لكل أفّاق.
وفى كل ما تقدم، لا بديل عن تحقيق وحدة وطنية ناجزة لكل أبناء الشعب، مبنية على الحوار وحفز المشاركة الفعّالة لكل من يريد حماية أمن البلاد، ويسعى سلميًا لخيره وتقدمه.