رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إطلالة على المستقبل «1»


انتهت الانتخابات الرئاسية على النحو المتوقع، وأصبح علينا واجب أن ننتقل بقوانا الحيوية كلها إلى العمل، من أجل تحقيق الآمال المعقودة، وإنجاز جدول الأعمال المتخم، حرصًا على استثمار عنصر الزمن أفضل استثمار، ولتقليل معاناة وطننا، وتحقيق الغايات المرجوة ولو سُئلت، كمواطن، ومهتم بالشأن العام، عن آمالى وطموحاتى فى السنوات الأربع القادمة، لذكرت قضايا عشرًا، أراها حَرِية بأن تحتل، وبالتوازى، قمة ما يتوجب أن نوليه اهتمامنا، بالنظر إلى ضرورتها القصوى، لحل مشكلات عديدة تعترض مسيرتنا، وتفتح الطريق للمستقبل.
القضية الأولى: علاج ضعف الحياة السياسية، لحفز المشاركة المجتمعية المنظمة فى العمل والبناء، وهو أمر يحتاج إلى إعادة النظر فى إزالة كل ما يعترض سبيل الأحزاب والهيئات والجماعات الشعبية الحقيقية، التى تمتلك رؤية واضحة، وتعبر عن مصالح طبقات أو فئات اجتماعية محددة، من عقبات، سياسية أو قانونية أو مادية، وتوفير كل أسباب الدعم والرعاية، حتى يستقيم عودها، وتتحول من عبء إلى إضافة لمسيرة العمل الوطنى، آخذين فى الاعتبار أسباب ضعفها البنيوى، والعطب الذى لحق بنشأتها الحديثة، وأهمية علاج هذه الأمراض المزمنة، فلا يمكن توقع حياة ديمقراطية حقيقية دون إنجاز هذه الخطوة، وعلى الذين يُزينون مهمة الإطاحة بالأحزاب السياسية، بحجة ضعفها، أن يدركوا مخاطر هذا الأمر على مستقبل عملية البناء الوطنى، وجريرة إغلاق المجال العام أمام قطاعات من المجتمع، وتحويلها إلى أعداء، بدلًا من اجتذابها للصالح العام.
ونأتى إلى القضية الثانية: قضية العدالة الاجتماعية. فمما لا مراء فيه أن الخطط الاقتصادية التى انتهجتها الحكومة، على امتداد السنوات الماضية، وبرغم حتميتها وفقًا لبرنامج الحكومة، قد كبَّدت عشرات الملايين من الفقراء ومحدودى الدخل، أعباء ثقيلة يعترف بها، وبوطأتها، القائمون على أمر إدارة البلاد.. ومن المؤكد أن هذه الأعباء ستتزايد، مع استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادى فى الفترة القريبة القادمة، وبما يعنيه ذلك من رفع جديد لأسعار الطاقة والنقل والطعام والمياه والكهرباء والسكك الحديدية والمترو.. إلخ.
إن هذا التوجه يتوجب معالجة آثارة بكل السبل، لأنه يزيد من الفجوة الاقتصادية بين القلة والكثرة، أما القضية الثالثة فهى قضية التعليم، إذ لا يمكن الجدل حول ما نعرفه جميعًا من تدهور مريع، وتباين مُخل، فى أوضاع التعليم المصرى.. إن العلم هو مفتاح النهوض من وهدة التخلف، وكل الدول التى أنجزت تقدمًا فعليًا، اعتمدت على قاطرة التقدم العلمى، ووفرت له ميزانيات كبيرة، واقتطعت من قوت يومها ما يقرب من ربع ميزانيتها، لتوفير فرص التقدم العلمى، والذى سرعان ما عاد عليها بالخير الوفير، وتجربة «النمور» فى آسيا وغيرها، وأبرزها فى العقود الأخيرة، الصين، التى أصبحت عملاقًا اقتصاديًا وسياسيًا مرهوب الجانب، دليل أكيد على الحاجة الماسة لبناء منظومة تعليمية جديدة، تعيد بناء الإنسان المصرى عقليًا، وتطوره فكريًا وثقافيًا، حتى يكون مؤهلًا للتفاعل مع نتاج الثورة العلمية الهائلة.
ويرتبط بهذه المهمة الجهود اللازمة الخاصة باجتثاث أصول التفكير الإرهابى من عمق الوعى المصرى، فإضافة إلى الجهد العظيم للقوات المسلحة والأمن، فإن المطلوب والمُلح الآن، تطهير الأرض المصرية مما زُرع فيها طوال ما يقرب من قرن مضى من أفكار منافية للعقل والحداثة، وأدت إلى انتشار الفكر التكفيرى والمنطق العنصرى، وهى مهمة معقدة يجب أن تشارك فيها كل مؤسسات الدولة: الدينية والتعليمية والتثقيفية والإعلامية.. إلخ.