رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب العالمية الثالثة


مثل كل المهتمين بالشأن العام، وقضايا السياسة الإقليمية والعالمية، تابعنا جميعًا، وبقلقٍ مُبرر، سياسة التصعيد الإعلامى والدبلوماسى بين كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، التى اندلعت مؤخرًا، والتصريحات النارية المتواترة بين الرئيسين: «دونالد ترامب»، و«كيم جونج أون»، والتى أوحت فى بعض مراحلها، بأن نُذر «الحرب العالمية الثالثة»، أو الحرب النووية الكونية الشاملة، والتى لن تُبقى ولن تَذر، على الأبواب.
إن هذه «الملاسنات النووية»، واكبها تراشق عسكرى آخر، أكثر خطورة، بين روسيا وأمريكا، بُعيد إعلان الرئيس «بوتين» عن امتلاك بلاده لطور أكثر تقدمًا من الصواريخ بعيدة المدى، (مداها ١١ ألف كيلومتر)، تملك قدرات تدميرية خارقة، وإمكانيات مذهلة على المناورة، ودقة غير مسبوقة فى إصابة الهدف، وبما يتفوق على الأسلحة الاستراتيجية الأمريكية، ويتجاوز قدراتها بمراحل.
لكنى، ومثلهم جميعًا، كنت أعرف أن للتصعيد، فى هذا السياق، حدودًا، غير مسموح للاعبين فى ساحته تجاوزها، ذلك أن الخروج على حدة القول، والانتقال إلى جادة العمل، يُهدد النوع البشرى كله بالفناء، فالدول النووية، وبالذات روسيا وأمريكا، بحوزتها مخزون من أسلحة الدمار الشامل، (قنابل نووية وهيدروجينية، وصواريخ عابرة للقارات، وغواصات نووية، وطائرات استراتيجية.. إلخ)، يكفى لتحويل المدنية القائمة إلى أكوام من الهدد، ومظاهرها الحضارية المزدهرة إلى خرائب وأنقاض، ولإسقاط مئات الملايين من الضحايا، وإحداث تلوث بيئى يمحق الوجود الإنسانى فى أركان المعمورة كلها.
ومن هنا كانت الثقة فى أن المعارك الكلامية بين كوريا الشمالية وأمريكا، ستُفضى حتمًا إلى مداخل للتفاهم، وهو ما حدث، إذ سرعان ما تبدلت اللهجة، وبرز الاتفاق على مفاوضات رفيعة المستوى، بين قمة الطرفين، بعد فترة وجيزة، وتبددت سحب الحرب.
غير أن أيامًا لم تمر على هذا التطور اللافت، حتى اندلعت شرارات حرب جديدة، تستحق بالفعل أن توصف بـ«الحرب العالمية الثالثة»، وهى الحرب التجارية التى أطلقها الرئيس الأمريكى «ترامب»، بتهديده بفرض ضريبة لا تقل عن ٢٥٪ على استيراد الحديد، و١٠٪ على استيراد الألومنيوم، وبفرض رسوم لا تقل عن ٥٣٪ على جميع واردات الصلب القادمة من ١٢ دولة هى: البرازيل، والصين، وكوستاريكا، ومصر، والهند، وماليزيا، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، وتايلاند، وتركيا، وفيتنام، وتبدو خطورة هذه الخطوة، من العلم بأن الولايات المتحدة هى أكبر مستورد للحديد فى العالم، إذ تستورد ٨ فى المائة من مجمل الواردات العالمية.
وفور الإعلان عن نيّة «ترامب»، انبرى العديد من الدول المعنية، ومعها «صندوق النقد الدولى»، للرد على هذه الخطوة التى تتناقض مع مقتضيات النظام الرأسمالى، وفلسفة «حرية الأسواق»، واعتبرتها إجراءات حمائية متحيزة، ستدفع بآلاف العاملين فى هذه المجالات إلى البطالة، وتقوض قواعد عمل الاقتصاد العالمى، وقد تؤدى إلى حرب تجارية وإجراءات انتقامية، لن تسلم من تأثيراتها السلبية المصالح الأمريكية ذاتها.
لكن «ترامب» أصم آذانه عن كل هذه التنديدات والتهديدات، وأقر فى ٨ مارس الماضى، هذا التوجُّه، مستثنيًا كندا والمكسيك من نتائجه، مُهددًا الأطراف المُصَدِّرة المعترضة، بأنه سيعمد، فى حال رفضها الإذعان لهذا «الفرمان الحمائى»، إلى عقابها مجددًا، بفرض ضريبة مقدارها ٢٥٪ على السيارات المستوردة من هذه البلدان، فيما ردت الدول الأوروبية بأنها تدرس الرد بفرض ضريبة مقدارها ٢٥٪ على عدد من الواردات الأمريكية.. وهلّم جرّا!.
■ ■ ■
كرة ثلج، تتدحرج على منحدر، وتكبر باستمرار، مطلقةً إرهاصات حرب اقتصادية خطيرة، خصوصًا مع تصاعد العجز التجارى الأمريكى إلى ٨٠٠ مليار دولار، قد تقضى، ما لم يتم نزع فتيلها، على أخضر النظام الرأسمالى ويابسه.