رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل التجربة الحزبية فى مصر «2»


كل حاضر يحمل فى طياته ملامح ماضيه، ويؤثر، حتمًا، فى تشكيل صورة المستقبل، ولا يمكن فصل واقع التجربة الحزبية فى مصر الحاضرة الآن، عن تاريخ نشأتها، وعن المراحل والمنعطفات التى واجهتها طوال العقود الماضية.
فالتجربة الحزبية فى مصر، شهدت إرهاصات أولية قبيل الثورة العُرابية أواخر القرن التاسع عشر، لكن البداية الحديثة، تحددت مع مطلع القرن العشرين، بتشكيل «حزب الأمة»، (١٩٠٧)، بواسطة مجموعة من «الأعيان» وكبار مُلاك الأراضى، والمهتمين بالشأن السياسى ورجالات القانون، و«حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية»، الموالى للخديو «عباس حلمى الثانى»، و«الحزب الوطنى»، وتزعمه «مصطفى كامل»، وتركز جهدهما على الخلاص من الاحتلال البريطانى، قبل بروز توجهه الاجتماعى، تحت زعامة «محمد فريد».
ثم كان هناك أيضًا عدد من الأحزاب الموالية لسلطات الاحتلال، حمل أحدها، أيضا، اسم «الحزب الوطنى»، (١٩٠٧)، والآخر «الحزب المصرى»، (١٩٠٨)، و«الحزب الدستورى»، (١٩١١)، وأحزاب أخرى لم تدم، تحمل طابعًا اجتماعيًا، كـحزب «العمال»، (١٩٠٨)، و«الحزب الاشتراكى المبارك»، (١٩٠٩)، وغيرها.
ومع انقشاع غبار الحرب العالمية الأولى، وتأجج الشعور الوطنى بوجوب إنهاء الاحتلال البريطانى، تأسست مجموعة جديدة من الأحزاب، بعضها موالٍ للسرايا والملك، منها «حزب الشعب»، و«حزب الاتحاد»، الأول والثانى، وبعضها ذو توجهات اجتماعية منها «حزب الفلاح»، و«الحزب الاشتراكى المصرى» الأول، (١٩٢١)، وحزب «مصر الفتاة»، (١٩٣٣)، ذو النزوع الوطنى المتطرف، (وتَسَمّى «الحزب الاشتراكى»، فيما بعد)، بزعامة «أحمد حسين»، وأحزاب لها طابع نسائى، مثل «حزب بنت النيل»، و«الحزب النسائى الوطنى»، وأحزاب وجماعات دينية كـ«حزب الله»، و«حزب الإخاء»، و«حزب الإخاء الإسلامى»، ثم جماعة «الإخوان المسلمون»، (١٩٢٨)، والأحزاب ذات التوجهات الشيوعية، وأهمها «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى»، (حدتو)، التى تأسست، بزعامة «هنرى كورييل»، فى أواخر أربعينيات القرن الماضى، وهناك أحزاب أخرى عديدة، نشأت للدفاع عن مصالح الطبقة الرأسمالية الناشئة وملاك الأراضى والفئات المرتبطة بالملك والاحتلال، كـ«حزب الأحرار الدستوريين»، وأخرى منشقة عن «حزب الوفد»، وأحزاب برزت وانطفأت وخفت ذكرها مع مرور الزمن.
ويبرز من بين كل هذه الأحزاب، «الوفد»، الذى تأسس فى خضم ثورة ١٩١٩، بزعامة «سعد زغلول»، وقاد النضال الوطنى والدستورى منذ إقرار دستور ١٩٢٣، وحتى ثورة يوليو ١٩٥٢، خلال ما يُطلق عليه «العهد الذهبى لليبرالية المصرية»، الذى يحلو للبعض المبالغة فى تلميع صورته، مقابل واقع العصف بالأحزاب، الذى ترتب على استيلاء «الضباط الأحرار» على السلطة بعد ثورة يوليو.
والحقيقة أن هذا العهد، الممتد لنحو ثلاثة عقود، والذى شهد العديد من الانتخابات، اكتسحها جميعًا «حزب الوفد»، كان بامتياز عهد العصف بالديمقراطية والدستور، وفى كل مرة فاز «الوفد» بالانتخابات، كانت مؤامرات الحكم وأشياعه لا تنقطع حتى تتم الإطاحة به، بواسطة «انقلاب دستورى»، يأتى بحزب من أحزاب الأقلية، الموالى للملك والاحتلال، إلى سدة الحكم، فيُعلق الدستور، وينتقم من المعارضين، ويكمم الأفواه، ويصادر الصحف، ويبطش بحريات الرأى والاجتماع، حتى إن فترة بقاء «الوفد» فى السلطة لم تزد على ست سنوات إلا ببضعة أشهر، وهو ما يعكس عمق واقع الاستبداد والتسلط، وتجذرهما، فى التاريخ المصرى المعاصر.