رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمر الكون.. بالأدلة القرآنية والحقائق العلمية




ما هو عمر الكون الذى نعيش فيه؟، فى الحقيقة لا أحد يعرف بالضبط، لكن قدرة العلماء بناءً على وصول الضوء من أبعد نقطة فى الفضاء- أى منذ لحظة بداية الانفجار العظيم، أو ما يسمونه «فلاش البيج بانج»- إلى الأرض، بأنه حوالى ١٣.٨ مليار سنة أو ١٤ مليار سنة.
فى نشأة الكون، وقعت أحداث تفصلها مسافات زمنية هائلة بين تكوين النجوم والكواكب، مثل كوكب الأرض، وبين لحظة الانفجار العظيم، قدرها العلم بأنها تصل إلى مليارات السنين، ومن الصعب على العقل البشرى أن يتخيل بسهولة ما حدث، ليس فقط لأن الأرقام كلها فى نشأة الكون هى مسافات زمنية هائلة، ولكن لأنها تمت أيضًا بشكل زمنى وبتوقيت غير الذى يعرفه الإنسان واعتاد عليه.
بمعنى أوضح، لم يكن هناك قبل تكوّن الأرض، التى تدور حول الشمس، وتعاقب الليل والنهار يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا أو سنةً كما نعرف الآن، فلم نعرف ذلك إلا بعد أن أصبحت هناك أرض تدور حول الشمس، وتعاقب الليل والنهار، لكن أثناء نشأة الكون، (تكون السماء والأرض)، كان معيار الزمن غير ما نعرف الآن، إنه زمن لن يعرف العلماء معياره، لأن الإنسان لم يعشه أصلًا ولم يكن الإنسان موجودًا من الأساس، لذلك أطلقوا عليه اسم معيار الزمن غير الإنسانى (non-human scale)، أى: لم يعشه الإنسان.
فما معيار الزمن الذى يستخدمه دارسو علوم الفلك والفيزياء أثناء دراسة نشأة الكون إذن؟ وما المعيار الذى يستخدمونه أثناء ربط أحداث نشأة الكون مع بعضها البعض؟، وتحديد المسافة الزمنية بين تكوين النجوم وتكوين الأرض وغيرهما من الأحداث؟
ما نعرفه أن الكون بما يحتويه من مادة وطاقة نشأ منذ حوالى ١٣.٨ مليار سنة، نتيجة الانفجار الأعظم Big Bang، لكن فى الوقت نفسه يصعب على الكثيرين تخيل مراحل نشأة الكون بما يحتويه من مجرات وطاقة، نتيجة لمجال الزمن الكبير الذى يغطيه عمر الكون، فتخيل معى لو تم اختصار عمر الكون الكبير بوحدة زمنية معروفة لنا.. سنة أرضية واحدة مثلًا.. فبالتأكيد سيسهل علينا تخيل تتابع أحداث نشوء الكون، وهذه هى فكرة «كارل ساجان» عن التقويم الكونى.
فقد اشتهر العالم الفلكى الشهير «كارل ساجان» بين علماء فيزياء الفلك بأنه كان مغرمًا بتبسيط العلم وتقريبه للناس العاديين، وكان يمتلك أسلوبًا مميزًا ومنهجًا مميزًا فى عرض الحقائق العلمية والتاريخية، أراد أن يبسط ويسهل للناس قصة نشأة الكون بشكل بسيط وسهل.. حيث إن عمر الكون الذى يقدر بمليارات السنين (١٣.٨ سنة مثلًا) هو مجرد أصفار لا تعبر عن شىء عنده.
فقام بضغط الأرقام الكبيرة رياضيًا، مع الحفاظ على نسب المسافات الزمنية ولكن بشكل أقصر، وابتكر بذلك ما يسمى التقويم الفلكى (Cosmic Calendar) فى عام ١٩٩٦ فى كتابه «تنانين عدن»، أو The Dragons of Eden، وقال إن الطريقة هذه تمكننا من متابعة عمر الكون الكبير، بضغط جميع أحداث نشأة الكون وما عليه فى سنة أرضية واحدة.
وقوبل ذلك بترحاب كبير جدًا من كل علماء فيزياء الفلك على مستوى العالم، إذ أجمعوا على أن الفكرة ستسهل على الدارسين تصور نشأة الكون ودراستها بكل يسر، وإلى الآن فإن التقويم الفلكى الذى وضعه، أو ضغط عمر الكون فى سنة أرضية واحدة، هو المعيار الزمنى الذى يسير عليه كل دارسى ومدرسى الفيزياء وفيزياء الفلك.
وماذا يقول التقويم الفلكى هذا؟ لنبدأه سويًا..
أولًا.. الانفجار العظيم Big Bang:
حصل قبل ١٣.٧ مليار سنة تقريبًا، ويصادف اليوم الأول من يناير تقريبًا فى الساعة ١.١٢ دقيقة صباحًا.
ثانيًا.. بداية تشكُّل المجرات:
تكونت أولى المجرات قبل ١٣ مليار سنة تقريبًا.. ويصادف اليوم الثانى والعشرين من يناير.
وتشكَّلت مجرتنا «درب اللبانة» أو «درب التبانة»، قبل ٩ مليارات سنة.. ويصادف اليوم السادس من شهر مايو، أما الأرض والشمس وتليهما المجموعة الشمسية وكواكبها، فقد تشكلت قبل ٤.٥٦ مليار سنة ويصادف اليوم الأول من سبتمبر.
كما ظهر أول الديناصورات على وجه الأرض قبل ٢٣٠ مليون سنة، ويصادف اليوم السادس والعشرين من ديسمبر، وظهرت أولى الثدييات قبل ٢٠٠ مليون سنة، ويصادف ظهورها اليوم السابع والعشرين من ديسمبر، واختفت الديناصورات قبل ٦٥ مليون سنة فى اليوم الثلاثين من ديسمبر.
ظهر الإنسان قبل ٨ دقائق فقط من نهاية العام، وظهر المسيح قبل ٤ ثوانٍ فقط من نهاية العام، أى قبل ٢٠٠٠ عام، وبدأت الرسالة المحمدية قبل ٣ ثوانٍ فقط من نهاية العام.
أما الحملات الصليبية، وظهور المغول، وخروج المسلمين من الأندلس، وتأسيس وانتشار الإمبراطورية العثمانية، والنهضة فى أوروبا، والثورة الفرنسية، والحربان العالميتان، وغزو الفضاء، وعصر الإنترنت، ودونالد ترامب رئيسًا لأمريكا.. وحتى وقت قراءتك لهذا الكلام.. كل هذه الأحداث حدثت فى آخر ثانيتين من العام!! هذا هو التقويم الفلكى.
هل لاحظت شيئا مثيرًا للدهشة: «ظهر الإنسان قبل ٨ دقائق فقط من نهاية العام».. أظن أنك الآن من السهل جدًا أن تفهم معنى هذه الآية: «هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا»، بالفعل هناك حقبة زمنية رهيبة جدًا من عمر الكون لم يكن الإنسان قد ظهر فيها أصلًا، وأظن أيضًا أنه من السهل جدًا عليك الآن أن تفهم معنى الآية: «لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».