رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نشأة الكون والانفجار العظيم




الانفجار العظيم «Big Bang»، إحدى أهم نظريات نشأة الكون، التى ظهرت فى عشرينيات القرن الماضى، واستغرق بناؤها أكثر من أربعة عقود، وعلى العكس من كل النظريات الأخرى، فإن هذه النظرية تلقى قبولًا واسعًا لدى العلماء، لا سيما بعد ثبوت تمدد الكون علميًا، وأنه فى حالة تمدد مستمر، وأن المجرات فى حالة تباعد مستمر عن بعضها بعضًا.
ويعود تأسيس نظرية «الانفجار العظيم» للعالمين الروسى ألكسندر فريدمان والبلجيكى جورج لوماتر، فقد نجح الأول فى حل معادلات نظرية النسبية، واستنتج منها فكرة تمدد الكون سنة ١٩٢٢، واستنادًا إليها وضع الثانى نظريته حول تمدد الكون سنة ١٩٢٧.
ودعم عالم الفلك الأمريكى إدوين هابل سنة ١٩٢٩ فكرة لوماتر، حين أكد وجود مجرات أخرى تتباعد بسرعة متناسبة مع المسافة الفاصلة بيننا وبينها، وهو أول أساس بنيت عليه نظرية الانفجار العظيم. وفى السطور التالية نسرد نموذج الانفجار العظيم تفصيليًا:
■ إن الفضاء خُلق أولًا، ثم خلقت منه الجزيئات والمجرات والنجوم والأرض وأنا وأنت.
■ إن الكون كان فى بدايته منكمشًا فى نقطة واحدة، وإن انفجارًا حصل فى اللحظة الأولى جعله يبدأ فى التمدد، وهى ظروف لا تنطبق فيها قوانين الفيزياء.
ويعود ذلك إلى أن القوى الطبيعية الأساسية الأربع المعروفة وهى: الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية الكبرى والنووية الصغرى كانت كلها متحدة ضمن قوة أساسية واحدة، وتمكنت قوة الجاذبية من الانفصال عن بقية القوى التى ما زالت متحدة.
ومنذ تلك اللحظة، أصبح بإمكان الفيزياء أن تقدم تفسيرًا للأحداث المتعاقبة التى تلت اللحظة الصفر، بالاعتماد على نظرية النسبية العامة بالنسبة للجاذبية، وتفجر الكون وتمدد فى موجات جاذبية.
وتوصل العلماء حديثًا إلى أن أصل موجات الجاذبية تلك هى الفضاء وأن موجات الجاذبية تصل من الفضاء إلى الأرض وتمر خلال الأرض وخلالى وخلالك.
■ إن مرحلة التضخم التى تمدد خلالها الكون بسرعة فائقة بدأت مع وجود نوع غريب من المادة، ليست كالمادة التى نعرفها الآن، حيث كان الميل إلى التنافر والتشتُّت والتفرُّق يغلب الميل إلى الاتحاد والتجاذب، وكلا الميْلين يَظْهَر فى غير شكل وصورة وهيئة، فكان هناك ما يسمى بـ«المادة» Matter و«المادة المضادة» Antimatter.
وتُعرف «المادة المضادة» فى الفيزياء بأنها غير مطيعة لقوانين الطبيعة على عكس المادة، فإذا هما تصادما تحوَّلا إلى «طاقة خالصة»، بمعنى أن «التصادم» و«التنافر» بين «المادة» Matter و«المادة المضادة» Antimatter يلاشى كل منهما الآخر، ويؤدى حتما إلى تحوُّلهما إلى «طاقة خالصة، ومع الوقت تلاشت «المادة المضادة» Antimatter ونجحت بعض «المادة» فى البقاء وشكلت «المادة» التى نعرفها الآن.
■ فى وقت لاحق، استطاعت الجاذبيّة أن تشكل النجوم والمجرات من سحب الغاز عن طريق إرساء، وتجميع وتركيز الجزيئات نحو المركز لتصبح بالكثافة الكافية التى تستطيع أن تكون نجمًا.
■ ثم خُلقنا نحن بعد ذلك، وكل شىء على الأرض والأرض ذاتها من تراب النجوم التى انفجرت، لكنه ليس كالتراب المعروف، بل هو تراب على صورة دخان تمامًا مثل دخان السيجارة، بالحد الذى لا يسمح بمرور الضوء، مما جعل الكون فى نشأته كثيفًا ومظلمًا تمامًا.
ولماذا نرى تطابقًا واضحًا بين نموذج الانفجار العظيم عن نشأة الكون وبين ما ذكره القرآن عن نشأة الكون، وبالتسلسل نفسه؟
أولًا: المشاهدة التى جعلت نظرية الانفجار العظيم تلقى قبولًا واسعًا لدى العلماء هى ثبوت أن الكون فى حالة تمدد مستمر، وأن المجرات فى حالة تباعد مستمر عن بعضها بعضًا، وقد أوضحها القرآن فى قوله تعالى: «وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» (الذاريات آية ٤٧)، وهذه الآية دليل قاطع من القرآن يؤكد للعلماء أن الكون فى حالة تمدد مستمرة.
ثانيًا: ذكر القرآن الكريم لنا أكثر من مرة فى أكثر من آية صراحة، أن السموات (الفضاء) خُلقت أولًا، ثم الأرض، ثم نحن، ومنها قوله تعالى: «مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»، (الكهف آية ٥١).
ثالثًا: تسلسل نموذج الانفجار العظيم، على حسب تسلسل نموذج الانفجار العظيم في القرآن، أنه وفى وقت لاحق تشكلت النجوم والمجرات من سحب الغاز الكثيفة، ثم خُلقنا نحن بعد ذلك وكل شىء على الأرض والأرض ذاتها من تراب النجوم التى انفجرت وماتت، تراب على صورة دخان تمامًا مثل دخان السيجارة، لا يسمح بمرور الضوء.
يوضح القرآن الكريم لنا فى الآيات من ٩ إلى ١٢ فى سورة فصلت: أن الأرض تشكلت بينما كان الفضاء دخانًا، وأن الأرض بدأت صغيرة ثم زادت فى الحجم. وأنه لما يرسى الأرض دور رئيسي فى ذلك، أى أن للجاذبية دورًا رئيسيًا فى تكوين الأرض.
إن ما يرسى الأرض قد وصل إليها أولا قبل أن يصل الضوء، أى أن الجاذبية قد وصلت إلى الأرض قبل أن يصل الضوء.