رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرواسي «الجاذبية».. سر الحياة على الأرض




الجاذبية هى ميل الكتل والأجسام للانجذاب والتحرك نحو بعضها البعض، وقد أثبتت العلوم الحديثة أنه لولاها لما كانت هناك حياة على الأرض، ولانحرفت عن مدارها ومسارها وانجرفت فى متاهات الفضاء الخارجى، مثلما يحدث للبالون عندما يثقب ويفرغ منه الهواء.
أول من وضع نظرية للجاذبية هو الفيزيائى المعروف إسحاق نيوتن (١٦٨٧م)، وقد بقيت نظريته صامدة، حتى تم استبدالها من قبل أينشتاين (١٩١٥م) بنظرية النسبية العامة، والذى وصف فى نظريته الجاذبية بأنها ليست قوة، وإنما هى فقط انحناءات الفضاء.
كيف تصور أينشتاين الجاذبية وكيف وصفها لنا؟
استخدم تشبيهًا واحدًا، ما زال علماء فيزياء الفلك يستخدمونها لوصف الجاذبية وتأثيراتها، إذ أكد وكل علماء الفيزياء من بعده إلى وقتنا هذا، أن كل الأجسام السماوية صغرت أم كبرت تتحرك فى الفضاء، محدثة موجات جاذبية مثلما هو الحال عندما تسبح المراكب والسفن فى الماء محدثة موجات مائية على سطح الماء.
كما يصف علماء فيزياء الفلك «الموجات الجاذبية» فى الفضاء gravitational waves بـ«الموجات المائية» ripples على سطح بركة ماء.
وصف العالم Tuttle (٢٠٠٩) الثقوب السوداء بأنها هى التى ترسى المجرات فى الفضاء، كما وصف العالم West (٢٠٠٩)، الشمس بأنها التى ترسى المجموعة الشمسية فى الفضاء. وكلمة ترسى «Anchor» تعنى تثبيت السفينة فوق البحر للحيلولة دون أن تجرها الأمواج وتدفع بها التيارات الهوائية عن طريق إنزال أو إلقاء المرساة.
كما وصف العالمان Van Flandern and Vigier (٢٠٠٢) والعالمان Cardone and Mignani (٢٠٠٤-٢٠٠٧)، الجاذبية وتأثيراتها بالمثال التالى: عندما ترتطم المرساة بشكلها ووزنها المعهود بقاع البحر وتثبت فى رماله وكثبانه فإن السفينة لا تستطيع أن تتحرك إلا ضمن دائرة مداها طول المرساة من سطح البحر، وحتى نهاية طرف السفينة. هذا السطح الدائرى مرتبط بمدى طول خط المرساة الممدود، حيث اعتبروا أن خط المرساة هو تأثيرات الجاذبية.
والمرساة «Anchor»، هى شعار الملاحة البحرية على مر الأزمان، وحتى يومنا هذا كما هو معلوم فى عالم الملاحة البحرية هى الثقالة الحديدية المربوطة بالحبل أو الجنازير الحديدية، التى تثبت السفينة فوق البحر، حيث يرغب ملاحتها فى الوقوف للحيلولة دون أن تجرها الأمواج، وتدفع بها التيارات الهوائية مع تغيير مسار ووجهة الريح.
تلك هى تصورات أينشتاين وعلماء الفيزياء من بعده عن الكون بالحرف الواحد وليست تصوراتى أو تشبيهاتى أنا.
ونجد أن القرآن الكريم يصور الكون بالصورة نفسها التى صورها «أينشتاين»، ويصورها كل علماء الفيزياء من بعده حيث يؤكد الآتى:
- إن حركة الأشياء فى الفضاء تشبه تمامًا حركة الأشياء فى الماء، وذلك من خلال التعبير الدقيق جدًا فى قوله تعالى «وكل فى فلك يسبحون» (سورة يس آية ٤٠).
- إن كوكب الأرض فى حالة رسو، وتأثيرات الجاذبية تشبه التأثيرات التى ترسى السفينة فوق البحر للحيلولة دون أن تجرها الأمواج وتدفع بها التيارات الهوائية، وذلك من خلال التعبير الدقيق جدًا فى قوله تعالى «وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم» (النحل آية ١٥)، نعم فـ«الرواسى» هى ما يرسى الأرض.. وما يرسى الأرض هى انحناءات الفضاء.. وانحناءات الفضاء هى «الجاذبية».
قال تعالى «وجعلنا فيها رواسى شامخات» (المرسلات آية ٢٧)، فهذه الآية توضح لنا المدى البعيد جدًا للجاذبية فى الفضاء، فالأرض مثل باقى الأجسام الفضائية وجودها فى الفضاء يحدث انحناءات فضائية أو جاذبية تصل مداها فى الفضاء كى ترسى أجرام فضائية أخرى مثل القمر مثلًا.. وهكذا.
وأخيرًا علينا الالتزام بالمعنى الحرفى للقرآن، فمن الخطأ أن تقول على الرواسى إنها الجبال كما تقول بعض التفاسير، ولكن عليك عندما تسمع الآية التى تقول مثلًا «وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم» أن تتأمل فى أن الأرض تحتاج ما يرسيها كى لا تنجرف وتتوه فى متاهات الفضاء مثلما تحتاج السفينة ما يرسيها كى لا تنجرف وتتوه فى متاهات البحر، وتلك هى تأثيرات الجاذبية، كما يتصورها العلماء.