رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرشحان المحتملان.. والـ«أنطاع» الخمسة!


 

أغلقت الهيئة الوطنية للانتخابات، في الثانية ظهر الإثنين، باب تلقي أوراق المرشحين للانتخابات الرئاسية، بعد ١٠ أيام من تلقي طلبات الترشح. كما توقفت عملية توثيق تأييدات المواطنين للمرشحين، المحتملين والوهميين، دون أن يتجاوز إجمالي عدد التأييدات مليونًا وربع المليون. أي أقل كثيرًا من عدد متابعي حساب الأستاذ خالد علي الشخصي على «تويتر» الذين يقترب عددهم من الـ٢ مليون، بالضبط ١.٨٩ مليون!.

مع ذلك، اضطر المذكور إلى ما قيل إنه «انسحاب»، لعجزه عن جمع ٢٥ ألف تأييد، هو الحد الأدنى اللازم لقبول أوراق ترشحه وإدراج اسمه في القائمة المبدئية للمرشحين، بعد استيفائه بقية الشروط، وبينها إثبات عدم إصابته بمرض بدني أو ذهني يؤثر في أدائه مهام رئيس الجمهورية. وكذا حصوله على مؤهلٍ عالٍ، صار محل شك بعد تلك التغريدة البليغة: «خالد علي: قرارنا أننا لم نخض هذا السباق الانتخابي ولم نقدم الأوراق للانتخابات، عاش مصر وشبابها المناضل. طريق لبكرة». ولو سألك بهجت الأباصيري «انجليزي ده يا مرسي؟!»، يمكنك الرد بأنه «عربي مكسر»، كان سليمًا وبصحة جيدة، قبل أن يقوم «بلطجية النظام» بتكسيره!.

الأعمال بالنيات، إلا العمل السياسي. ولا تقاس الشعبية بعدد المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي أو بعدد الإعجابات أو الـ«لايكات»، وإنما بالتصويت في صناديق الانتخابات. ومن محاسن الصدف، أن يتزامن ذلك مع صدور قرار من الادعاء العام في ولاية نيويورك الأمريكية، يوم الإثنين، بإجراء تحقيق بشأن شركة «ديفومي» التي باعت ملايين المتابعين الوهميين لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي. وما يثير الدهشة هو أنك ستجد «تسعيرة» في موقع الشركة على الانترنت: الـ٢٥٠ ألف متابع بـ ١٢ دولارًا. وستجد أيضًا «تسعيرة» لـ«الإعجابات» أي الـ«لايكات». كما تفخر الشركة بأنها «ساعدت ٢٠٠ ألف من المشاهير ورجال الأعمال والنشطاء السياسيين». وطبقًا لما ذكره تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، السبت، فإن شركة «ديفومي» تملك ٣.٥ مليون حساب آلي (وهمي) على الأقل!.

سبق أن أوضحت أن كلمة «انسحب» ليست بين الكلمات التي طالها التطور. وأننا ما زلنا نقول «انسحب من المعركة» أي تراجع عن مواقعه، وانسحب من الاجتماع أي خرج منه. بما يعني أن المنسحب كان يشغل موقعًا وتركه، أو كان داخل قاعة الاجتماع وغادرها. ومع ذلك، لا يزال هناك عقلاء يرددون كالببغاوات (البغبغانات يعني) أن هناك من انسحبوا من انتخابات لم يتقدموا بأوراق ترشحهم لها من الأساس. والأكثر غرابة من ذلك هو أن تجد وسائل إعلام، تهتم بهذا العبث، وتصف هؤلاء بأنهم «مرشحون محتملون»!.

لا وجود، إذن، لصفة «مرشح محتمل» قبل إعلان القائمة المبدئية لأسماء المرشحين، يوم الأربعاء ٣١ يناير الجاري. وبإعلان القائمة النهائية لأسماء المرشحين ورموزهم يوم ٢٤ فبراير، يتحول المرشح المحتمل إلى مرشح فعلي. أما «المرشح المنسحب» فهو مَن ظهر اسمه في القائمة المبدئية وقام بسحب طلب ترشحه قبل يوم ٢٢ فبراير. وبما أن باب تلقي أوراق المرشحين، تم إغلاقه دون أن يتقدم غير اثنين، فإن القائمة المبدئية لن تتضمن غير اسميهما، وبالتالي يكون عبدالفتاح السيسي الرئيس الحالي، وموسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، هما المرشحان المحتملان فقط، ولا يحق لغيرهما انتحال تلك الصفة، إلا لو قررت مستشفيات الأمراض العقلية، استحداث عنبر لـ«المرشحين المحتملين» يجاور «عنبر الأنبياء» أو مدعي النبوة!.

هكذا، تكون السخرية واجبة من محمد عصمت السادات حين يصف نفسه، في بيان، بأنه «مرشح رئاسي سابق»، بينما يكون الشك واجبًا في القوى العقلية لاثنين انتحلا صفة «مرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية سابق»، إذ لا وجود في الدستور المصري لمنصب نائب الرئيس، كما أن من رشحهما نائبين له، لم يتقدم بأوراق ترشحه من الأساس. ولن نتوقف عند ذلك الإرهابي السابق، الذي كان أول الموقعين على تلك الورقة، كما لن نلتفت إلى خامسهم الذي لا يعرف الفارق بين الأسبق والسابق، ولو كان من محدودي الثقافة، لعرف أن «الأسبق» هو الذي قبل «السابق»، أو قبل قبل «الحالي». أما لو كان «غير المذكور» قد تلقى تعليمًا جيدًا، فسيدرك أن «السابق» اسم فاعل، يفيد الاتّصاف بالسبق فقط، بينما «الأسبق» اسم تفضيل، يفيد السبق المطلق.

تضيّع وقتك وتوجع دماغك لو طرحت بديهيات على من وصلوا إلى مرحلة (أو مستوى) اختراع الصفات. ولا تملك غير أن تضرب كفًا بكف وأنت ترى «الأنطاع الخمسة» يخاطبون «جموع الشعب» في ورقتهم ويطالبونهم بـ«مقاطعة الانتخابات الرئاسية كليًا، وعدم الاعتراف بأي مما ينتج عنها». ولأنهم بلا أي ظهير شعبي، لن يلومك أحد لو قلت إن هدفهم ليس الداخل وإنما الخارج، الذي يعيد تدوير تلك التقيؤات ويقوم بتحويلها إلى كروت ضغط يستخدمها لصالحه أو تحقيقًا لمصالحه. وسواء كان هؤلاء طيبين (أي ملعوبًا بهم) أم أشرارًا (أي شركاء في اللعبة)، فإنهم لم يجدوا من يربيهم، سياسيًا أو أخلاقيًا، ويوضح لهم الفارق بين استهداف السلطة السياسية، واستهداف الدولة كلها، بشعبها ومؤسساتها.

الخلاصة، هي أننا لسنا أمام معارضين أو سياسيين، أو مواطنين طبيعيين، بل أمام أحد أنماط الانحراف الاجتماعي أو السلوكي، يصيب عادة من وضعوا لأنفسهم أهدافًا ومستويات طموح لا تتفق مع إمكانياتهم. وبفشلهم في تحقيق أي منها، لازمهم شعور بالعجز والضعف وخيبة الأمل، جعلهم ينسلخون جزئيًا أو كليًا عن واقعهم ومجتمعهم. باختصار، نحن أمام مرضى نفسيين، نجاملهم حين نصفهم بأنهم «أنطاع»، جمع «نطع»!.