«المسرح القومي».. صداع وزراء الثقافة المزمن
في تدخل عاجل؛ نجحت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، فى وضع حل نهائى لعقبات إعادة افتتاح المسرح القومى الذى أغلق لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وذلك بعد اجتماع مع الشركة المنفذة للأعمال، والبيت الفني للمسرح برئاسة إسماعيل مختار.
وأعلنت وزيرة الثقافة عن فتح أبواب المسحرح للجمهور وبدء نشاطه من جديد اعتبارًا من التاسعة مساء الخميس الأول من فبراير، بالعرض المسرحى «اضحك لما تموت»، تأليف لينين الرملى وإخراج عصام السيد، وبطولة نبيل الحلفاوى، محمود الجندى، سلوى عثمان، إيمان إمام، تامر الكاشف، زكريا معروف، حمدى حسن.
يعد المسرح القومى من العلامات الثقافية المصرية منذ بدأ نشاطه في الخمسينيات وقدم روائع المسرح العالمى، ثم أعيد افتتاحه عام 1986، ويعتبر أحد أهم مسارح القاهرة، ويقع في منطقة الأزبكية وتم تأسيسه بأمر من الخديوي إسماعيل عام 1869.
يرجع تاريخ المسرح القومى إلى القرن الخامس عشر الميلادي، فى منطقة اتخذها المماليك موقعًا لإقامة القصور وأماكن اللهو، حول البركة التي كانت تحوطها آنذاك، وبمجيء نابليون بونابرت مع الحملة الفرنسية 1799 ـ 1801 شاهد في الحديقة لاعبي خيال الظل المنتشرين هناك، فقرر إنشاء مسرح للترفيه عن جنوده، وبعد رحيل الحملة وتولي محمد علي حكم مصر؛ أمر بتجفيف البركة وتحويلها إلى حديقة عامة.
وبنى الخديوي إسماعيل في معرض نشاطه لافتتاح قناة السويس عام 1869 مبنى في الطرف الجنوبي من الحديقة خصصه للمسرح الكوميدي الفرنسي «الكوميدي فرانسيز»، بجوار مبنى الأوبرا الذي أُنشِيء في العام ذاته بهدف استقبال الوفود المشاركة في احتفالاته الأسطورية بافتتاح القناة.
وعلى «تياترو» الأزبكية تأسس فيما بعد أول مسرح مصري، حيث شهد هذا المسرح عام 1885 أول موسم مسرحي لفرقة أبو خليل القباني بالقاهرة، كما قدمت فرقة اسكندر فرح وبطلها سلامة حجازي أشهر أعمالها من عام 1891 إلى 1905.
وكان عام 1905 هو أول موسم لفرقة الشيخ سلامة حجازي، وفيما بعد تزايدت الدعوة لإنشاء مسرح وطني وسط مطالبات بخروج قوات الاحتلال الإنجليزي عن مصر بعد الحرب العالمية الأولى، وبالفعل تأسس «المسرح الوطني» عام 1921 في مبنى «تياترو» الخديوي بحديقة الأزبكية، وبدأ في عرض أربع مسرحيات يومية.
وفي عام 1935 أنشئت الفرقة القومية المصرية، بقيادة الشاعر خليل مطران، لتقديم عروضها على خشبة المسرح الوطني، إلا أنه تم حلها في عام 1942 لأنها كانت تقدم أعمالا ضد الاحتلال.
وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952، التي طردت الاستعمار وأنهت الحكم الملكي في البلاد، تحوَّل اسمه إلى «المسرح القومي»، وتأسست به فرقتان مسرحيتان هما «الفرقة القومية المصرية»، و«فرقة المسرح المصري الحديث».. في وقت شهد فيه المسرح رواجا غير مسبوق بفضل كوكبة من الكتاب المسرحيين والمبدعين الذين دشنوا مرحلة جادة وجديدة في تاريخ المسرح المصري، أبدعها زخم الخمسينات والحلم الثوري، وكان من بينهم: «يوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ولطفي الخولي»، ومن المخرجين «عبد الرحيم الزرقاني، وسعد أردش، ونبيل الألفي، وكرم مطاوع».
وتألق عمالقة تمثيل المسرح على خشبته وفي مقدمتهم سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب، وعبد الله غيث، وحمدي غيث، وشفيق نور الدين، وحمدي أحمد، وغيرهم.
وفي السنوات الأخيرة شهدت عروض المسرح القومي إقبالا جماهيريا عبر مشاركة فنانين كبار في عروضه، ويبرز منها مسرحية «أهلا يا بكوات» بطولة حسين فهمي وعزت العلايلي، و«الملك لير» بطولة الفنان يحيى الفخراني التي عرضت في العام الماضي.
يُعَد مبنى المسرح القومي أثريًا يغلب على مواد بنائه الخشب، ويتميز مبناه بجمال التصميم الداخلي وروعة الديكور الذي لا يزال يحتفظ برونقه، ويتكون من قاعة كبيرة تحمل اسم جورج أبيض أحد رواد المسرح المصري في الأربعينيات، فضلا عن قاعة صغيرة تحمل اسم المخرج المسرحي والممثل عبد الرحيم الزرقاني، وقاعة صغيرة خاصة بالملابس وأجهزة الإضاءة، ومكاتب إدارية خاصة بهيئة رئاسة المسرح، ومسرح الشباب أيضا.
عانى المسرح مؤخرًا من الإهمال وأصبح في السنوات الأخيرة مرتعًا للباعة الجائلين، في وقت صار فيه المبنى الأثري محشورًا بين كوبري الأزهر ومبنى جراج العتبة، الذي يضم محطة مركزية للحافلات.
وفى مشهد مؤلم احترق المسرح فى سبتمبر عام 2008، وشب حريق في صالة العرض بالمسرح القومى، وكان ذلك في وقت يسود فيه الهدوء التام مع استعداد المصريين لتناول طعام الإفطار بعد غروب الشمس.
وبدأت النيران بستارة المسرح واستمرت نحو ساعتين، وانتقلت أكثر من 30 سيارة إطفاء إلى المسرح المشتعل الذي يقع في ميدان العتبة، حيث توجد الإدارة الرئيسية للحماية المدنية بالعاصمة، إلا أن جدرانه كانت تآكلت.
وظل المسرح مغلقًا ما يزيد عن سبع سنوات حتى افتتحه الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق فى ديسمبر 2014، رغم أن المشروع لم تنته منه الشركة القائمة عليها بشكل نهائي، ولم يحصل على موافقات الدفاع المدني.
واستمرت شركة المقاولات تعمل بالمسرح حتى أغسطس 2015، حينما افتتحه الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة وقتها، بعرض مسرحي ضخم استمر قرابة العام هو «ليلة من ألف ليلة» للفنان الكبير يحيي الفخراني.
وتعطل العمل بالمسرح منذ عدة شهور بسبب أزمة فنية خاصة بعرض «اضحك لما تموت» للمخرج عصام السيد، حيث كان وزير الثقافة السابق حلمي النمنم معترضًا على العرض.