رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجبال تسابق السحاب وتشبه السفن


العلم والدين والحياة، هى مثلث متساوى الأضلاع لن تستقيم الحياة دونها، فهى تكمل بعضها بعضًا، وبدونها من المستحيل أن تبنى إنسانًا أو مجتمعًا عصريًا، وسطيًا، متوازنًا. ومن تلك الظواهر الكونية التى تستدعى التأمل فى خلق الله «الجبال، السحاب، قوانين الخلق»، فالتأمل له علاقة مهمة بالعلم والدين والحياة، إذ إن الحياة تحتاج إلى تأمل، تذوق، لتستشعر ما فيها من معانى «الحب، الفن، السعادة»، إلا أن الحياة المعاصرة تمنع الإنسان من التأمل، لأنها أصبحت متسارعة جدًا، فصرنا غير قادرين على التأمل والتذوق.
والدين يرى التأمل والتفكر ضرورة دينية.. «أفلا ينظرون»، «أفلا يتفكرون»، «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
فالتفكر هو نور الإيمان، والتدبر هو الهدف الرئيس الذى من أجله أنزل الله القرآن على نبيه الكريم «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ»، إذن التأمل والتفكر ضروريان للدين والحياة.
أما ثالث ضلع فى المثلث فالعلم، وكل اكتشاف فى العلم فى أصله عالم وقف وفكر وتأمل، فالتأمل ضرورى جدًا للبحث العلمى.
وحركة الجبال، من الظواهر التى تستدعى التأمل فى خلق الله، والقرآن له طريقة جميلة فى التشبيه.. تشبيه فكرة صعبة بفكرة أخرى سهلة.. لتوصيل المعنى لعقلك بسهولة وبساطة، يقول الله سبحانه وتعالى: «وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِى الْبَحْرِ كَالأعْلامِ».؟
والآية معناها الحرفى: «الجوار» هى السفن و«المنشآت» المحملات بالبضائع، يعنى السفن المحملة بالبضائع، «كالأعلام»، المقصود بها الجبال.
فما العلاقة إذن بين السفن والجبال؟
توم جاريسون ومايكل ألابى، كل منهما ألف كتابًا فى عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤، عن الشبه بين الجبال والسفن، فكلاهما يقول: الجبل يشبه السفينة، لماذا؟. لا يوجد تشبيه للجبال عندما ينزل عليها الثلج فى الشتاء وتتقل إلا تشبيه واحد بس هو السفينة عندما تتحمل بالبضائع.
ويمكن الرجوع إلى محرك البحث «جوجل»، للبحث عن كتاب «Ocean Ography»، للعالم توم جاريسون، وتحديدًا فى الصفحتين رقمى ٧٠ و٧١، والكتاب الآخر «A change in the weather»، للعالم مايكل ألابى فى الصفحة رقم ١٥٩.
وستعلم لماذا شبَّها الجبال بالسفن، فهما يقولان إن الجبال والسفن يتبعان قانون طفو الأشياء الذى توصل إليه أرشميدس.
فالجبال تقف على صخور سائلة، جبال الألب مثلًا عندما ينزل عليها الثلج تنضغط لأسفل مثل السفينة عندما يتم وضع حمولة عليها فتغطس أكثر فى المياه، وعندما يذوب الثلج يعود الجبل لوضعه الطبيعى، لأن الثقل الذى كان يشكله الجليد انتهى، كما هو حال السفينة حينما يتم تفريغ حمولتها فترجع ترتفع وتطفو لأعلى.
وهذا نص كلامهما:
ماذا يحدث للجبال عندما تتراكم الكتل الجليدية على قممها؟ الإجابة: يحدث لها إزاحة فى الاتجاه الأسفل «باتجاه الأرض» تمامًا مثلما يحدث إزاحة للسفينة فى الاتجاه الأسفل «اتجاه الماء» استجابة لتحميلها بحمولة فى ظاهرة تسمى التوازن الأيزو ستاتيكى.
ماذا يحدث للجبال عندما تذوب الكتل الجليدية من على قممها؟ الإجابة: يحدث لها إزاحة فى الاتجاه الأعلى تمامًا مثلما يحدث إزاحة للسفينة فى الاتجاه الأعلى استجابة لتخفيض حمولتها.
ورد الفعل هذا يأتى استجابة للتغيير فى ثقل الوزن، مثل السفينة، يكمن فى أن الصخور التحتية للجبال هى فى صورة شبه سائلة.
لماذا استخدم العلم الحديث مَثَل السفينة؟ لأنه لم يجد أفضل منه للتشبيه، وهو نفس كلام القرآن «وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِى الْبَحْرِ كَالأعْلامِ».
لاحظوا معى أننى لم أستخدم أى تفسير دينى، فلم ألو الآيات لأثبت إعجاز القرآن، أنا فقط ذكرت معانى الكلمات بالعربية، لننتهى إلى حقيقة أن الدين والعلم مرآة لبعضهما.
هناك رسام عالمى مشهور اسمه إبراهام بلومارت رسم لوحه فى القرن الماضى للجبال وهى تجرى كالسحاب، وما زالت موجودة فى متحف Metropolitan بنيويورك. وهو من تأمل الفنان للحياة، وهذا ضلع الحياة، والعجيب أن ضلع العلم اتفق مع ضلع الفن أو الحياة.
ابحث على «جوجل» على المجلة العلمية الشهيرة «ثرشولدز»، العدد ٣٩ سنة ٢٠١١، الصفحات من ٥٤ إلى ٦٠، وستجد بحثًا منشورًا عنوانه بالنص: «الجبال الثابتة تتحرك كالسحاب»، للدكتورة كارولين فاولر، أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة برينستون.
وتقول فى بحثها: «نيوتن ظل يشرح مئات المعادلات عن القصور الذاتى، فإن ما تراه ثابتًا هو متحرك وإن ما نعتقده ثابتًا هو جزء من كل متحرك، يعنى بالتقريب: أن الأشياء تولد متحركة بالفطرة».
لكنها تقول إن «هذا الفنان ذكى جدًا شرحها من خلال رسم يظهر الجبال تتحرك كالسحاب، فالناس فهمت بالفن وليس بالعلم»، وهذا يثبت علاقة الفن والعلم.
والله تعالى يقول فى القرآن «وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ»، هذا كلام الله قبل أن يولد نيوتن نفسه أو جاليليو، مؤسس علم الفيزياء الحديثة.
«صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ»، أى قانون ثابت، إن طريقة ربنا فى الخلق هو أن كله يتحرك فى الكون، وليست الجبال فقط، وهو نفس كلام نيوتن: «الأشياء تولد متحركة بالفطرة». لو أنت مؤمن فعليك أن تقرأ القرآن بيقين أكثر وتأمل أكثر وتبحث عن العلم أكثر، ولو أنت غير مؤمن، فالقرآن يقول لك: فكر.. حكم عقلك.. لن يدعوك أحد للإيمان.. تعلم وابحث فى العلم، ثم اقرأ هذا الكتاب القرآن.. «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ»، «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
ومن المدهش أن الأدلة التى يستخدمها الملحدون كدليل على عدم وجود الله هى نفسها الأدلة على وجوده سبحانه، الأمر يحتاج فقط إلى تأمل صادق من القلب لترى النور لترى الحقيقة: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ». فالتأمل ضرورة للعلم والدين والحياة.