رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقائق علمية أثبتها القرآن.. وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ


على مر العصور، ظلت جدلية العلاقة بين العلم والدين والحياة، قائمة حول ما إذا كانت هذه الأضلاع الثلاثة مكملة لبعضها البعض، أو فى حالة صدام أبدى دائم، إذ إن هناك شعوبًا أخرجت ضلع الدين، وركزت على العلم والحياة، فغاب السلام النفسى العالمى، وهناك شعوب أخرى اختارت ظاهريًا الدين، وأهملت العلم والحياة، فأصبح الدين ملجأ لها تتخفى فيه عن صنع الحضارة، وقوقعة تنعزل فيها عن العالم.
لكن الواقع يؤكد أنه ليس ثمة تناقض بين الثلاثة، بل هناك علاقة تكامل بينها، ودونها من المستحيل أن يُبنى مجتمع أو إنسان عصرى، وسطى، متوازن، والموضوع أكبر من أن نتفاخر بأنفسنا دون فهم، أو نتداول منشورات على مواقع التواصل لإثبات عظمة الإسلام، إذ الأهم من كل ذلك أن يكون لدينا إيمان قوى متفاعل مع العلم، دون أن نهمل الحياة.
«قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، فالإنسان دائم النظر فى السماء والأرض، يبحث عن رزقه ومستقبله وحياته كلها، ولأن العلم يكمل الحياة، تجده يبحث عن الظواهر الغريبة فى السماء والأرض، والدين يتحدث عن تلك الظواهر، فيقول الله تعالى: «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ».
فالله تعالى أقسم بظاهرتين، واحدة فى السماء، والأخرى فى الأرض، فى السماء أنها ذات الرجع، والرجع هو العودة إلى ما كان منه البدء، يعنى ذات الارتداد أو كما يسمى بالإنجليزية (bounce)، والأرض التى تتصدع، كيف ذلك وهى كتلة صخرية شديدة التماسك؟
عندما اكتشف «أينشتاين» نظريته النسبية التى أبهرت العالم، وعرف الجاذبية التعريف الصحيح، قال ببساطة إن تفاحة «نيوتن» عندما سقطت على الأرض كان بسبب أنها دفعت دفعًا من أعلى إلى أسفل تجاه الأرض، لكونه يرى الجاذبية مصدرها الفضاء وليس الأرض، على عكس «نيوتن».
وبعد مضى ١٠٠ سنة على ما توصل إليه «أينشتاين»، جاء ما يثبت صحة نظريته، وتحديدًا فى ١١ فبراير ٢٠١٦ حين صدح الفيزيائى «ديفيد ريتس»، قائلًا: وجدتها.. وجدتها، وكان قائدًا لفريق بحثى استطاع أن يرصد بتكنولوجيا «ليزر الليجو»، الأمواج الثقالية، أو موجات الجاذبية، التى تصل من الفضاء إلى الأرض، وتم ترشيحه ومعه فريقه لجائزة «نوبل»، بعد نجاحهم فى إثبات صحة نظرية «أينشتاين» بعد قرن من الزمان، بالدليل القاطع بالليزر والصور.
فقد اكتشف أن مصدر موجات الجاذبية هو دوران ثقبين أسودين حول بعضهما البعض فى الفضاء، ما يتسبب فى حدوث موجات جاذبية تصل من الفضاء إلى الأرض، والتى بدورها تعطى الإنسان الثقل، وكل شىء على الأرض، ولولاها لتاهت الأرض بنا فى متاهات الفضاء، كما تتوه السفينة فى متاهات البحر، إذا لم يكن لها مرسى، وبفضل ذلك تكون الأرض رأسية فى مكانها وكل ما عليها.
موجات الجاذبية هذه ينتج عنها تمدد وتضاغط ــ مثل القبض والبسط ــ لنسيج الفضاء حولنا بصورة مستمرة، كما لو أن الأجسام الفضائية أو الأجرام السماوية مثل الثقب الأسود مثلًا تتحرك محدثة ارتدادات على سطح «ترامبولين»، وهذا ما رصده فريق البحث بالليزر، حيث تُحدث هذه الأجسام موجات جاذبية تؤدى إلى تمدد وتضاغط فى صورة ارتدادات لنسيج الفضاء، تمامًا كما يقفز الطفل الصغير على «ترامبولين» فيحدث ارتدادات فى «نسيج الترامبولين».
وتشبيه السماء بـ«الترامبولين» هو كلام «أينشتاين»، فقد قال: «like a child’s bounce on stretchy trampoline»، ومن وقتها كل أساتذة الفيزياء يوضحون الجاذبية باستخدام «الترامبولين» كمثال توضيحى للفضاء والارتدادات التى تحدث فيه.
والقرآن كان أسبق للإشارة إلى أن سماء الكون تتميز بخاصية الارتداد «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ»، لكننا لم نعرف ذلك إلا عندما اكتشف «أينشتاين» نظريته النسبية فى عام ١٩١٦، فقد كان فى السابق يتم تفسير الآية على أن «الرجع» هو «المطر»، إلى أن جاء بعد ١٤٠٠ سنة ما يثبت المعنى الحقيقى للرجع.
«وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ»، كيف تتصدع الأرض؟، فعلى الرغم من أن الأرض كتلة صخرية شديدة الصلابة، إلا أن ربنا أقسم بأن الأرض تتصدع، والصدع غير الشق: «أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا»، فالصدع هو شرخ عظيم فى طبقات الأرض، يسمى بالإنجليزية (Fissure)، ويحدث نتيجة أن أجزاء فى الأرض تمدد وتبعد عن بعضها البعض، أما الشق فيحدث حتى يخرج منه الزرع.
وهناك صدع كبير فى أيسلندا اسمه «سلفرا» يقصده السائحون كمزار سياحى للغطس فيه، حتى يلامسوا بأيديهم قارتين فى نفس التوقيت، ومن المؤكد أن أحدًا من شبه الجزيرة العربية قبل أكثر من ١٤٠٠ سنة يسافر إلى الجانب الآخر من العالم حتى يتأكد أن الأرض فيها صدع، وهذا ما يؤكد أسبقية القرآن فى تأكيد ذلك.
فهذا المكان لم يكن معروفًا حتى قبل عام ١٧٨٩، يعنى بعد نزول القرآن بعشرات القرون، ثم إن أول حالة صدع سجلها العلم كانت فى عام ١٩٢٧ فى صحراء «الأريزونا»، كما جاء فى كتاب Notes on earth fissures in southern Arizona، أو بالعربى «ملاحظات على تصدعات الأرض فى جنوب الأريزونا،» للعالم جرالدين موريس وزملائه فى عام ١٩٦٢.
إذن لم نكن سنفهم «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ»، إلا حين شرحها «أينشتاين» فى عام ١٩١٦، وكذلك لم نكن سنفهم «وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ»، إلا فى حالة السفر إلى أيسلندا سنه ١٧٨٩، أو عندما تقرأ عن أول حالة تصدع سجلها العلم سنة ١٩٢٧.
فالله جلت قدرته، أقسم بظاهرتين لم يعرفهما العلم إلا بعد مرور عشرات القرون على نزول القرآن الكريم، وهو يقسم بهما على أن القرآن هو قول الفصل، وليس بالقول الهزل «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ».