رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل الميرى: أشعر بالتمييز فى الوسط الثقافى المصرى (حوار)

جانب من الحوار
جانب من الحوار

ابتعد الكاتب والمترجم عادل الميري، منذ فترة كبيرة عن حضور أية فعاليات تخص الوسط الثقافي، بعد أربعة سنوات داوم فيها على التواجد في تجمع عدد كبير من المثقفين بدار ميريت أمثال الكاتب والروائي علاء الأسواني، والروائي أحمد مراد، والكاتب الصحفي أسامة رحيمي، وغيرهم من الصحفيين والمثقفين، وبعد ابتعاده عن هذا التجمع الثقافي، دوام على حضور ندوة أو حدث ثقافة كل أسبوع لفترات كبيرة، إلى ان انتهى به الحال واتخذ قرار الابتعاد بشكل نهائي.

* كنت تعيش في أسرة من طبقة إرستقراطية.. لكنك دائمًا في أحاديثك تشير إلى «عقدة الذنب» التي كنت تشعر بها.. لماذا؟
- في البداية.. من خلال متابعتي رأيت أن «عقدة الذنب» واضحة جدا في التربية بشكل عام، خاصة فى أسر الطبقة المتوسطة والمتذمتة أخلاقيًا، فالأولاد الذين يولدوا في أسر فقيرة بالأحياء الشعبية، يتمتعون بحرية كبيرة، لأنهم يتواجدوا في الشارع طول الوقت، فبالتالي لا يكون لديهم أي مشكلة في الاحتكاك بالعالم الخارجي، أما أطفال الأسر المتوسطة والطبقات العليا تكون لديهم فرصة للتعليم الجيد والسفر للخارج، بفضل ثرائهم، في حين أنهم محرومين من أشياء كثيرة جدًا، فأنا شخصيًا، حُرمت في طفولتي من النزول للشارع، ولم يكن لي أصدقاء، وكانت كل طموحات وآمال عائلتي تنصب على عاتقي لأصبح طبيبا مثل والدي، بل وصل الأمر إلى أن والدتي كانت تمنعي من الرد على التليفون حتى وصلت لسن الـ23عاما، ورغم ذلك كانت أقرب لي من والدي، حيث خصصت لي أحد المعلمين ليدرس لي الموسيقى بمقابل 25 قرشا في الساعة، فكان لها الفضل في عشقي للوسيقى.

* وبعد أن وصلت لهذا السن، هل حاولت الفرار من كل ذلك ؟
- بالطبع، تركت البيت في طنطا وسافرت للقاهرة، وأقمت مع جدتي، وكنت أدرس في كلية طب طنطا وقتها، وعملت«مزيكاتي» في ملهي «البارزيانا» بشارع الهرم، انتقامًا من أسرتي، ولشغفي بالموسيقى منذ صغري أيضًا، إلى ان اشتكت جدتي لوالدي من رجوعي للبيت في أوقات متأخرة من الليل، وجاء إلى القاهرة، وهددني بالحرمان من الميراث، والمصروف الشهري وقيمته 30 جنيها، وكان مبلغ كبير حيث كان سعر لتر البنزين آنذاك ستة صاغ، وساندوتش الكبدة بسبعة صاغ، وكوباية الشاي بقرش صاغ. وكان ذلك بمثابة انتقام من تذمت عائلتي الذي واجهته في طفولتي.

* وثقت ذلك في كتابك «شارع الهرم».. كيف كانت ظروف تلك الفترة وهل اقتربت فيها من بعض الفنانين؟
- دخلت ملهى«البارزيانا» بشارع الهرم في مايو 1977 وخرجت منه في نوفمبر1978، وانحصرت علاقتي بالفنانين الذين رأيتهم في ملاهي شارع الهرم بالمعرفة السطحية، وكان أول شخص أشاهده الفنانة «لوسي» ترقص في تلك الليلة، وكنت أشاهدها يوميًا تؤدي فقرتها، وكان زوجها «سلطان الكاشف» صاحب الملهى، وفي الحقيقة لم يكن رقصها مبتذلًا، بل كان أقرب إلى رقص البالية، وكانت تتمتع بقدر كبير من الرشاقة، أما الفنان الشعبي أحمد عدوية، كان نجم تلك الفترة حيث كان يحصل على 200جنيه كأجر، وشفيق جلال كان يحصل على 40 جنيها تقريبًا، وسيد الملاح كان أجره لا يزيد عن 50 جنيها، في حين أن فرق الموسيقى الغربية المكونة من خمسة أشخاص لم يتخطي أجرها الـ20جنيها لقة جمهورها، فكانت تفتتح الليلة إلى أن تمتلىء الصالة، وتعود آخر الليلة لتختتم الليلة ويعرف رواد الملهى أن اليوم قد انتهى.
كما تعرفت على الفنانة ثناء ندا، شقيقة الفنانة شريفه فاضل، وكانت بمثابة نمرة تملىء فراغات الحفلات، ولم يكن عليها إقبال كبير، لكنها أقل منها جمالًا وأصغر حجمًا، وتؤدي أغانيها بالإضافة إلى الأغاني السعودية التي انتشرت في تل الفترة مثل أغنية «بعاد كنتم ولا قريبين» غناء محمد عبده، وأغنية «مقادير» غناء طلال مداح. كما شاهدت الفنانة «هياتم» ترقص كل ليلة مقابل 30 جنيها في ملهى «البارزيانا»، أما الفنان وعازف الجيتار عمر خورشيد، فكان يحصل على 100 جنيه كأجر، وكانت يقدم أشهر فقرة في ملهى «لاروند» لصاحبه الفنان لطفي عبد الحميد الذي كان يقدم فقرة هو زوجته «فتلة ورفيعة هانم» في ساعة لقلبك، وكان «خورشيد» يقدم فقرة في فندق شيراتون أيضًا، وعشقه عدد كبير من السيدات منهم أميرات عربيات.
كما شاهدت المطرب «عمرو دياب» يغني في فندق درجه ثالثة يسمى«الفاندوم»، وكان ينتظر قرار مدير المسرح، في سيؤدي فقرته في تلك الليلة أم لا، وكان ذلك عام 1985.

* ما الذى دفعك للكتابة وكيف دخلت الوسط الثقافي؟
- «الكراسة» هي السبب في دفعي للكتابة، فكنت أذهب لنادي طنطا الرياضي لأقرأ في كتاب، وحفظت وقتها رباعية الختام، ولم يكن لدي أي شىء يشغلني فلم يكن لدي أصدقاء، وبالتالي بدأت في كتابة تعليقات على الكتب التي اقرأها، في «الكراسة» التي أكتب فيها بشكل دائم برنامج القراء الصيفي الذي واظبت عليه منذ فترة الإعدادية.
أما دخولي الوسط الأدبي، كان عن طريق دار «ميريت» للنشر، تعرفت من خلال تواجدي بالتجمعات الثقافية على عدد من الأدباء الكبار والشباب والصحفيين، ومنهم الروائي الراحل خيري شلبي، بهاء طاهر، وعلاء الأسواني، وبلال فضل، والصحفي علاء الرحيمي والكاتب الصحفي أشرف عبد الشافي، وكنّا نجتمع بالست ساعات ويمتد النقاش إلى الثانية عشرة ليلًا، حول بعض الكتب المهمة أو قضايا فكرية، أو موضوعات خاصة بالسينما، وكنت كتبت قبل أن أدخل عالم «ميريت» كتابي «تسكع» عام 2008، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المكتوبة بصبغة روائية، عن مجموعة من الرحلات، خصصت 15 فصلًا للقاهرة، و10 فصول عن الصين، وفصول أخرى عن أسبانيا وإيطاليا، ورحلتي لموريتانيا لمدة أسبوع، التي قضيتها مع أحد المخرجين الفرنسيين، فهو قد طلب مني كتابة بعض التعليقات على قبيلة «طوارق» أثناء تصويره فيلمه، وكتبت تعليقات فيما يخص الوضوء وعادات الزواج والصلح بين الأسر، والتقاليد العربية والإسلامية الموجودة بها.
وانقطعت عن تجمع «ميريت»، في عام 2013، كنت طبعت عن محمد هاشم عام 2009 رواية «كل أحذيتي ضيقة» ونفذت تمامًا عام 2010، وطلبت منه طباعتها مرة أخرى، لكن «هاشم» قال إنه لا يقوم بطباعة أية رواية مرة أخرى لأى كاتب مهما كان السبب، لكني فوجئت بوجود طبعة أخرى عام 2014 لرواية «سماء أقرب» لمحمد خير، فكتبت على صفحتي الشخصية الخاصة بموقع التواصل الإجتماعي «صدمتي شديدة في محمد هاشم.. كذب عليّ»، وحاول بعض الأصدقاء الصلح بيننا لكني رفضت تمامًا، ومنذ ذلك الوقت كنت أحضر بعض الندوات خاصة ورشة الزيتون التي يقيمها الناقد شعبان يوسف.

* ومتى انقطعت تمامًا عن الظهور في الوسط الثقافي، وما هي أسباب ذلك ؟
- في الحقيقة الوسط الثقافي يعاني من الشللية، فكنت كتبت مقال على رواية «إيقاع» لوجدي الكومي، ونُشر في أماكن صحفية عديدة، لأنه كان من ضمن الشلة، على الرغم من إني كتبت مقالا عن احدى رواية أخرى ولم يُنشر.ففهمت وقتها انني لست من الشلة، ولذلك ضد هذا المبادىء والشللية في أعمل عمل يخص الإبداع.
أما عن انقطاعي عن الظهور في الوسط الثقافي، من بداية عام 2016 جاء في البداية عن طريق الفيس بوك وتويتر، حيث تطاول عليا الروائي محمد صلاح العزب صاحب رواية «وقوف متكرر»، على منشور ناقشت فيه بعض الأسئلة الدينية فيها قدر من التهور، التي طرحتها أيضًا في رواية «بلاد الفرنجة»، وبصفتي «مسيحي» يتم إهانتنا على مواقع التواصل الإجتماعي وغير مسموح لنا بالرد عليها، وبعدما أثيرت قضية عدم قبول شهادة المسيحي، كتبت لأقول: «مصر لم تعد بالنسبة لي بلد حضاري، فهي البلد التي يرفض فيها قاضي شهادتي لأني مسيحي».
أما عن المواقف التي واجهتها، في الندوات الثقافية، كنت في ندوة مناقشة كتاب «تهجير المؤنث» الصادر عن (دار آفاق) للروائية والمُترجمة نورا أمين، وطرحت وجهة نظري التي كان فحواها أن الشباب أيضًا مظلوم في قضية التحرش، فهو يعامل معاملة كالحيوان في المجتمع، ومحروم من كل حقوقه بالتالي ستكون كل تصرفاته عدوانية، اعطوا الشباب حقه وحاسبوه، فذهبت في نهاية الحفل لتوقع لي «أمين» على الكتاب فرفضت لأني خالفتها في وجهة نظرها التي كانت تنص على محاكمة كل الشباب المتحرشين ليكونوا عبرة للشباب بعد ذلك، وحدث نفس الموقف معي أيضًا أثناء حضوري في ندوة مناقشة كتاب «ديني ودين الناس» لهبة الشريف، وحدث خلاف بيني وبينها حول أوضاع المسلمين في أوربا، واوضاع المسحيين في مصر.

* هل تشعر بالتمييز ضدك في الوسط الثقافي المصري ؟
- نعم بالطبع بكل تأكيد.