رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وهم ضرب الوحدة الوطنية في مصر


لا شك أن لكل دولة نقاط ضعف يمكن أن يستغلها أعداؤها فى الداخل والخارج من أجل تنفيذ مخططاتهم المعادية لها ولشعبها، وفى الحالة المصرية فإن أبرز نقاط الضعف الحقيقية هى مياه النيل التى تنبع من عمق القارة الإفريقية ومن دول - خاصة إثيوبيا- يمكن استخدامها بصورة تضر بالحقوق المائية المصرية المسئولة عن وجود الدولة وبقائها، وهو موضوع سنعود إليه فى مقال آخر إن شاء الله.. أما نقطة الضعف المتوهمة لدى أعداء هذا الوطن فهى إمكانية ضرب الوحدة الوطنية بالشكل الذى يصيب المجتمع فى العمق فيقسمه إلى فريقين متناحرين، ربما مع تغذية عوامل الفرقة بينهما يتطور الصراع إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس وتقضى على الدولة المصرية من داخلها.



والذى لا يفهمه أعداء الدين والحياة أن الطبيعة الخاصة والفريدة التى تميز علاقة المصريين مسلمين ومسيحيين يكاد لا تشبهها علاقة أخرى بين أتباع الديانتين فى أى دولة أخرى بالعالم، وهو الأمر الذى عبرت عنه المواقف التاريخية المتكررة، خاصة فى أوقات الأزمات التى يتوحد خلالها المصريون وتذوب خلافاتهم فى وعاء الوطن الذى يعيش بأبنائه جميعًا، كما يعيش لهم أيضًا جميعًا.

إن ثقافة العنف والتطرف الدخيلة على الشعب المصرى لن تجد لها أرضًا خصبة تمكنها من التوطن فى نفوس شعب تميزه السماحة، ويفهم بفطرته السوية حكمة الله فى خلق البشر متنوعين وهو أمر لا تستقيم الحياة على الأرض بدونه، كما أنه سبحانه وتعالى هو الذى أعطاهم الحق فى الاعتقاد، وهو وحده من يملك حسابهم يوم العرض عليه، وهو شعب يرفض أيضا بعقله الجمعى ظاهرة الإرهاب التى تجتاح العالم الآن، حتى مع ترويج أفكار شاذة غريبة على المصريين الذين شكلت حضارتهم فجر الضمير الإنسانى كما وصفها المؤرخ الأمريكى جيمس هنرى بريستد فى كتابه الشهير «فجر الضمير»، وهى الأفكار التى يمكن أن يقع فريسة لها بعض أبنائه بفعل إغواء الشيطان أو المال الحرام الذى يلعب بعقولهم المريضة وقلوبهم المتحجرة فيدفعهم لتنفيذ المخططات الخبيثة التى تستهدف النيل من الأديان وتدمير الأوطان.

إن انتصار الدولة المصرية المؤكد فى نهاية المطاف على هذا المرض اللعين لن يتم، بكل أسف، دون خسائر قد تزيد أو تقل، وفى وقت قد يطول أو يقصر، بحسب كفاءة المواجهة وشموليتها، فالحرب على الإرهاب هى معركة الدولة المصرية ككل وليس الأجهزة الأمنية فحسب، لذلك فإن توفير كل مقومات النجاح لتلك الأجهزة من معدات حديثة متطورة وأساليب تدريب علمية وراقية ونظام فعال للمحاسبة لكشف المجتهد ومكافأته ورصد المقصر ومجازاته- هى أمور بديهية يجب أن توليها الدولة الاهتمام الكامل وتوفر لها الموارد المادية والبشرية اللازمة لأداء تلك المهمة شديدة الأهمية والصعوبة أيضًا على الوجه المناسب من الكفاءة والفاعلية.

وتبقى عملية تجفيف منابع الإرهاب واقتلاع جذوره رهنًا بنجاح الدولة فى صياغة رؤية واضحة تبنى على أساسها استراتيجية وطنية تحدد لكل وزارة أو جهة أو هيئة أو فكرة أهدافًا محددة يمكن قياسها لمعرفة درجة التقدم فى إنجاز ما هو مستهدف منها فى هذه الحرب المقدسة لتخليص الدين والدولة معًا من عدوهما المشترك.

لقد آن الأوان لردود عملية تتجاوز مرحلة ردة الفعل العاطفية أو حتى العصبية والتى ما تلبث إلا أن تهدأ فى زحمة الأحداث وتلاحقها؛ لتعود وتظهر من جديد عقب كل مصاب جلل يخلف ألمًا فى نفوس ووجعًا فى ضمير كل من له ضمير، وفى هذا الإطار فإن إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب هو فكرة جيدة تحتاج عند تطبيقها إلى صلاحيات محددة يمكن المحاسبة على أساسها لمعرفة ما تحقق وما لم يتحقق وأسباب ذلك وأساليب تداركه.

إن طبيعة المصريين الذين تزيدهم المحن تماسكًا وتوحدًا خلف وطنهم إنما تقطع على وجه اليقين بأن هزيمة هذا الوطن العظيم وكسر إرادة شعبه الصابر المثابر أمام هجمات الإرهاب الغادر- هى من ضروب الخيال، وإن غاية ما يستطيع هؤلاء المجرمون فعله هو إنهاك هذا الوطن وتكبيده أكبر قدر من الخسائر فى الأرواح والممتلكات، وهى الفاتورة التى نستطيع الوصول بها إلى الحد الأدنى إذا ما تحمل كل منا واجبه تجاه دينه ووطنه بكامل المسئولية والإخلاص.. حمى الله مصرنا الغالية وحفظ شعبنا العظيم من كل مكروه وسوء.