رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المغامر" ترصد اضطهاد المماليك للمصريين من المسيحيين والمسلمين

الكاتبأحمد صبرة
الكاتب"أحمد صبرة

احتلت الرواية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، دورًا متميزًا في محاولة تغيير الواقع العربي نحو الأفضل، فهي كما يعرفها الدكتور جابر عصفور "تجسيد لعقلانية الاستنارة ورمز التسامح في مواجهة التعصب، وهي دعوة إلى التغيير ومواجهة جذرية لأساليب القمع".

تحت هذه المظلة، تأتي رواية "المغامر" الصادرة عن دار العين٬ حيث نجح الكاتب"أحمد صبرة"في اقتناص فترة شديدة التأثير في التاريخ المصري سياسيا وثقافيا، التي شهدت نهاية حكم المماليك بكل حقارتهم وعسفهم للمصريين خاصة المسيحيين والتمييز الذي مارسوه عليهم هم والمسلمين: "كان أبويوسف يرتدي جلبابا أسود في هذا الحر القائظ حوله زنار ويضع طوقًا من الحديد حول رقبته"، إلا أن علاقة الصداقة التي ربطت بين خمسة أطفال صغار، هم: عبدالعال٬ بكر٬ حسن٬ سليم ويوسف،  تمتد بهم لآخر العمر٬ لم ينغصها كثيرا هذا التمييز وإن شذ بكر عنهم بعقليته الأصولية المتعصبة التي نمت معه في إشارة إلى وهم الخلافة الإسلامية وخرافة خير أمة أخرجت للناس٬ وعصمة علماء الدين ومشايخه٬ رغم أنهم طوال الوقت كانوا يتاجرون بآلام المصريين لجني المكاسب والثروات.

قسمت الرواية إلى ثلاثة أجزاء: التكوين٬ التيه٬ التمكين، وتسرد في الجزء الأول، حياة كل من: محمد علي وبوادر الطموح والمغامرة في شخصيته التي حولته من مجرد تاجر تبغ في قولة إلى الجلوس على عرش أكبر الولايات العثمانية٬ بالتبادل في سرد حياة "حسن العطار" ومراحل حياته من شظف العيش إلى رفاهيته بفضل مهنته في نسخ الكتب وما مر به من وقائع من فقد ابنه في وباء الطاعون وخيانة زوجته "هوي" له مع جان بول، أحد المرافقين للحملة الفرنسية وقتلها في النهاية.

وتطرقت الرواية إلي بدايات اللقاء مع الآخر والانفتاح عليه كما حدث مع سليم في أسفاره إلى إيطاليا وفرنسا، وانبهاره بالعدل والقيم الإنسانية بين هذه الشعوب التي لا تعرف الإسلام، بينما المماليك من يقيمون الشعائر الدينية يعيثون في الناس جورا وقمعا٬ وهنا كان الصديقان بكر وسليم على طرفي نقيض طوال الوقت، وإن كان منطق سليم وما لمسه بكر من البون الشاسع بين رجال الحملة الفرنسية وبين المماليك والعثمانلية جعله في حيرة طوال الوقت إلا أنه دائمًا ما يلتمس الأعذار لاستبدادهم لمجرد أنهم مسلمين.

! تلك الحيرة التي جعلته يعتزل الخوض في أية مناقشات حول أحوال الناس خاصة عندما شاركه عساكر الأتراك بيته غصبا، وحاولوا التحرش بزوجته وابنته في غيابه إلى أن طردوه من بيته تماما٬ إنه الموقف الأصولي الذي يري أنه يفضل أن يحكمك مملوك عبد مسلم ولو من بلاد بعيدة على أن يحكمك مسيحي مصري.

يشير الكاتب من طرف خفي إلى بذور علمانية مبكرة يمثلها سليم وقناعته بأن الدولة لا دين لها٬ تلك البذور التي ستتبلور مع جيل التنويريين مثل رفاعة الطهطاوي وطه حسين ولطفي السيد الرعيل الأول الذي حصد ثمار البعثات التعليمية التي أوفدها محمد علي إلى أوروبا خاصة فرنسا نظرًا لتأثره بصديقه "ليون" الفرنسي.