رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد صلاح مالك الدشاش


مرة أخرى -نسأل الله أن تكون الأخيرة- نفقد خيرة شباب هذا الوطن، شهداء أبرارًا أطهارًا جادوا بأرواحهم الطاهرة ليمنحوا هذا الشعب حقه فى الحياة، وليضمنوا لهذا الوطن واجبه فى البقاء، وإذا كان هؤلاء الأبطال الأفضل والأنبل فهم فى الفضل سواء، ونسأل الله أن يكونوا فى الأجر أيضًا، فإننى أستسمحكم أن أقدم لكم فى هذه السطور أحد هؤلاء العظماء ممن استشهدوا خلال الأيام الماضية فى العملية العسكرية الممتدة فى سيناء منذ سنوات.

الضابط المقاتل الذى ينتمى للجيش المصرى -خير أجناد الأرض- طلب الشهادة فأراد الله أن يمن عليه بها، كما أراد سبحانه أن يكرم أهله وأصدقاءه وأبناء بلدته بأن يصطفى من بينهم أحمد، كما اختار سابقًا من هم مثله فى قافلة من النجوم الحقيقيين، حتى وإن اختلت معانى النجومية فأصبحت تذهب أحيانًا لمن لا قيمة له، وتحجب كثيرًا عمن يستحق.

أحمد لم يكن مضطرًا للخروج فى العملية العسكرية لكنه طلب ذلك وأصر عليه، وكما يفعل الأبطال الكبار فإنه لم يحسب الحسابات الصغيرة، لم يقل مَنْ لوالدّى المسنين بعدما فقدا شقيقى الأصغر والوحيد سابقًا، لم يسأل عن مصير طفليه الصغيرين إسلام وفريدة، إن هو تركهما يواجهان الحياة دون حضنه أو كتفه.. قرر أحمد أن يكون بارًا بأبويه حريصًا على طفليه على الوجه الأكمل، أدى واجبه وأكثر وهو مطمئن بأن الله تعالى لن يخذله فى والِديه ولا ولَديه، فسبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

وليس غريبًا أن تكون بطولة أحمد نتيجة طبيعية لأسرة عمّ صلاح الصابرة المحتسبة، التى تعلمنا منها كيف يكون الرضا الحقيقى بقضاء الله وقدره، الرضا الذى ليس له من جزاء سوى الجنة، ودون مؤاخذة، كما قال سبحانه: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، فأمثال هذه الأسرة هم من يقدمون للمجتمع أمثال هذا البطل الشهيد: أحمد صلاح مالك الدشاش.

فى هدوء ودون مظاهر كاذبة، رحل أحمد ليبقى رمزًا فى ضمير كل من عرفه أو سمع عنه، وليس لهذا الوطن أن يبقى ما لم يكن من بين أبنائه هؤلاء الشجعان الذين يقدمون ضريبة الدم، بينما يبخل غيرهم بالعرق، ولا أتصور كيف لأى مسئول فى هذا الوطن أن يقصر أو يهمل أو يضن ببعض الجهد بينما يرى شبابًا يضحون بأنفسهم الزكية فداءً لمن يفترض أن يكملوا المسيرة من بعدهم، وإذا لم يكن هناك أى مجال لمكافأة أحمد ورفاقه على صنيعهم -وهم لم يطلبوا ذلك على كل حال- فليس أقل من أن نظهر الوفاء لذكراهم العطرة والحرص على الانتصار لمبادئهم السامية، وأن نتمسك بتحقيق حلمهم الذى ضحوا من أجله فى بناء وطن حر عزيز يصون كرامة أبنائه، ويقدم لهم ما يستحقون، ويوزع بينهم الأعباء والعوائد على قاعدة العدل والإنصاف.

أعرف أن خلف كل قصة استشهاد بطولة يجب أن توثق وأن تُحكى لأبنائنا، ليتعلموا منها المعنى الحقيقى للبطولة والوطنية، وأعلم أيضًا أن الكلمات تبقى عاجزة أمام محاولة الاقتراب من المعانى المستحقة، وأحزن لأن الدولة لا تعطى لشهدائنا ما يكفى من التكريم، ولا لأسرهم ما يغنى عن الرعاية والاهتمام.

وأخيرًا، فإننا نبتهل إلى العلى القدير أن ينظر لهذا البلد بعين رحمته ليحل عليه الأمن والسلام والعدل والمحبة والرخاء، وأن تتوقف فيه مواكب الشهداء، وأن يجمعنا لقاء آخر مع أحمد ورفاقه فى مقعد صدق عند مليك مقتدر، إنه ولى ذلك والقادر عليه.