رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطيئة دستورية فى اللجنة التشريعية


وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب باجتماعها يوم الأربعاء الماضى، على الاتفاق الموقع بين الحكومة وصندوق النقد الدولى بشأن الحصول على قرض قيمته ١٢ مليار دولار، تحصل عليه الحكومة المصرية على ٦ دفعات نصف سنوية على مدار ثلاث سنوات.

كانت الحكومة قد وقعت هذا الاتفاق سابقًا بالمخالفة للمادة ١٢٧ من الدستور التى تلزم السلطة التنفيذية بالحصول على موافقة مجلس النواب على اقتراض، أو حصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة؛ حيث أبرمت الحكومة اتفاقًا نهائيًا مع صندوق النقد الدولى وحصلت على دفعة أولى من القرض بل أنفقتها فعلًا دون العودة إلى مجلس النواب، الذى تُظهر استخفافًا به يبدو مدهشًا كيف أنه يطاوعها عليه إلى الحد الذى ينتهك الدستور، بل ينتقص من هيبته باعتباره السلطة الأعلى والمسئولة عن تولى تلك الحكومة واستمرارها فى موقعها، والذى يرسم لها السياسة العامة ويقر خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعتمد الموازنة العامة للدولة، ويبسط رقابته على السلطة التنفيذية ويحاسبها إن قصّرت ويعاقبها إن أخطأت، كل ذلك وفقًا للمادة ١٠١ من الدستور الذى يعانى إجمالًا من فجوة واسعة بين ما جاء بنصوصه، وما ينفذ منها.

مجلس النواب الذى سمح للحكومة بارتكاب هذه الخطيئة الدستورية أبى إلا أن يقع هو الآخر فى مخالفة المادة ١٥١من الدستور، التى تمنحه السلطة فى الموافقة على المعاهدات الدولية أو رفضها، فإذا بأعضاء اللجنة التشريعية يوافقون على اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولى دون أن يعرض عليهم من الأساس ليقرأوا نصوصه قبل أن يعدوا التقرير الذى يعرض على الجلسة العامة لتتخذ القرار بشأنه، والذى يجب أن يرد على سؤالين، أولهما هل الاتفاق يلتزم بنصوص الدستور أم لا، والثانى هل الاتفاق يحتاج قبل التصديق عليه إجراء استفتاء شعبى أم لا؟.

إن ما جرى فى اللجنة التشريعية يوم الأربعاء الماضى، إنما يعبر عن مؤشر شديد الخطورة فى علاقة السلطة التنفيذية بالتشريعية، وعلاقة كلتيهما بالدستور المسئول عن وجودهما والذى ينظم لكل منهما حقوقه وواجباته تجاه السلطة الأخرى، والأهم من كل ذلك تجاه الشعب الذى يدفع الثمن فى النهاية.

ولا أفهم منطق الزملاء فى الأغلبية النيابية، الذين وافقوا على اتفاق وأقروا بأنه لا يخالف الدستور ولا يحتاج لإجراء استفتاء شعبى دون أن يقرأوه، والأكثر غرابة هو كيف قبلوا من الحكومة أن ترد عليهم عند طلب الاطلاع على الاتفاق بأنه موجود، وعند السؤال عن السبب فى عدم إحضاره كما يلزمهم الدستور والقانون تكون الإجابات غامضة وملتوية، بل الأعجب من كل ذلك تفسيرات رئيس مجلس النواب الذى رأس اجتماع اللجنة بنفسه وأخذ على عاتقه مسئولية الدفاع عن الحكومة، وتبرير أخطائها الدستورية والعملية.

لقد خرجت من اللجنة التشريعية وأنا تحت إلحاح سؤال واحد؛ كيف سيجيب النواب الذين وافقوا على الاتفاق إذا سألهم سائل على ماذا وافقوا؟!، ولماذا الإصرار على مخالفة الدستور إذا كان التمرير -بحكم التجارب المتكررة- مضمون من قبل الزملاء فى الأغلبية؟!، إن الموافقة بهذا الشكل على اتفاق بهذه الخطورة التى تمتد آثارها الاقتصادية والاجتماعية سنوات طويلة، سوف تحيل دراسة الاتفاق إلى اللجنة المختصة التى يوكل إليها مسئولية التدقيق فى شروط القرض وإملاءات الصندوق حتى لو ادعت الحكومة كذبًا أنه ليس هناك شروط ولا إملاءات، ولا نعرف حتى الآن هل يتم ذلك أيضًا دون عرض الاتفاقية وقراءة بنودها، أم يتم استيفاء الشكل الدستورى على الأقل، انتظارًا ليوم -نتمناه قريبًا- نصل فيه إلى المضمون الذى يؤدى من خلاله مجلس النواب واجباته الدستورية التى أنتخب من أجلها، وأن يردع هذه الحكومة الفاشلة التى تتصرف فى شئون المصريين ومستقبلهم بشكل غير مسئول، وليس على المستوى الذى يستجيب لتحديات اللحظة الحرجة التى يمر بها وطننا العزيز.

إن كل ما سبق إنما هو حديث عن الإجراءات التى ما لم تنضبط بأحكام الدستور بصفة عامة، وتنتظم فى مجلس النواب بنصوص اللائحة بصفة خاصة، فليس هناك أمل فى بناء وتطور حياة نيابية وفقًا للأسس والقواعد المستقرة والمتفق عليها فى النظم السياسية الشبيهة بالنظام المصرى، وكل ذلك يجب استيفاؤه قبل الانتقال لمناقشة مواد هذا الاتفاق أو غيره، والذى يجب أن نؤكد أنه اتفاق سيئ خضعت خلاله الحكومة لإملاءات وشروط صندوق النقد بالشكل الذى سوف يدفع معه الفاتورة الجيل الحالى والأجيال القادمة؛ خصوصًا من أبناء الطبقة الوسطى وما دونها، الذين يشكلون السواد الأعظم من أبناء الشعب المصرى المظلوم من حكومته والأغلبية البرلمانية فى مجلس نوابه معًا.