رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

9 مارس.. المعنى الحقيقى للشهادة


عندما قدم الفريق عبدالمنعم رياض حياته دفاعا عن وطنه ضرب أروع الأمثلة فى البطولة والفداء.. رئيس أركان حرب الجيش المصرى الذى جاد بروحه الطاهرة يوم 9 مارس عام 1969 على خط المواجهة الأول مع العدو الصهيونى، اختار أن يكون مثالًا للقائد الحقيقى الذى يقود جنوده من مقدمة الصفوف، فاختارت الأقدار أن تخلد ذكراه العطرة لتصبح عيد الشهيد الذى يحتفل به المصريون كل عام.

والحقيقة أنه وبرغم العدد الهائل من البطولات النادرة التى قدمها المصريون فى مواجهة أعدائهم على مدار التاريخ بوجه عام، وبطولات تفوق المعجزات لضباط وجنود خلال حرب الاستنزاف (الحرب المنسية) على وجه الخصوص، فإن هناك تقصيرًا شديدًا فى توثيق تلك الملاحم بالشكل الذى يتناسب مع قيمتها الفريدة، وتقديمها لأجيال لم تعاصرها، وتحتاج أن تعرفها جيدًا لتتعلم منها كيف يكون حب الأوطان، وتستمد منها العون والمدد فى مواجهة حملات ممنهجة تحاول أن تنسى المصريين صفحات خالدة من تاريخهم المجيد، فى الوقت نفسه الذى تحاول فيه إحباطهم وتيئيسهم من إمكانية استعادة تلك الريادة وصنع مستقبل مشرق يستحقه هذا الشعب العظيم، ويقدر عليه أيضًا.

ولأن الشعوب تحتاج إلى أبطال تكون القدوة والمثل، فقد اخترعت دول مثل هؤلاء الأبطال عندما افتقر تاريخها إلى تلك النماذج الرائعة، والأمثلة على ذلك عديدة، ويكفى فى الحالة الأمريكية سوبر مان ورامبو وغيرهما. ويبقى الأمر المدهش أن التاريخ المصرى الملىء بالبطولات حقا، والزاخر بالأبطال فعلا، لا يقدم على الوجه المناسب الحقائق الثابتة، بينما يرسخ غيرنا لأوهام صنعها من الخيال.

ولا تقتصر البطولة ولا الشهادة على العسكريين دون المدنيين؛ حيث عرف التاريخ المصرى أمثلة رائعة أكثر من أن تحصى لأبطال حفروا أسماءهم فى تاريخ بلدهم بحروف من نور، ولم نستطع حتى الآن أن نقدمهم بالشكل المستحق الذى يثرى وجدان شعوبهم ويمنحهم الطاقة، ويجدد لديهم العزم مؤمنين بأنه إذا ما اقتضت الحاجة التضحية بأغلى ما يملك الإنسان فإن تلك التضحيات التى لا يمكن مكافأة أصحابها عنها لن تنسى أو تهمل على الأقل.

والمؤسف أنه حتى هذا المعنى الأنبل والأكثر سموًا بين المعانى الإنسانية لم يسلم هو الآخر من الإساءة إليه، تارة بالتشكيك فى نوايا من ضحى بروحه فى المكان الصحيح وبمواجهة العدو الحقيقى ليمنح غيره فرصة الحياة بشكل أفضل، وتارة أخرى بإلصاق أوصاف الشهادة على أعمال الإجرام والتدمير والخراب، والأكثر أسفًا أن يجرى ذلك أحيانًا بالتحايل على الدين أو باسمه، ولا يخفى على من يملك شيئًا من العلم أو العقل أن الإسلام برىء من هؤلاء المخرفين الضالين الذين يدعون كذبًا الجهاد باسمه، فيستحلون دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، ثم يتمادون فى الكذب على الله بينما يزين لهم الشيطان أعمالهم ويصدهم عن طريق الحق، وكثيرًا ما تخفى هذه الادعاءات تجارة محرمة يدفع فيها لهؤلاء المجرمين من يريدون تدمير الأوطان والحرب على الأديان فى آن واحد.