رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاصيل حرب الكنائس على الإلحاد

جريدة الدستور

طفت ظاهرة تزايد معدلات الإلحاد بين الشباب خلال السنوات القليلة الماضية على السطح بشكل كبير، خاصة فى أعقاب الصدمة التى واجهها المجتمع المصرى خلال فترة حكم جماعة الإخوان، ولم يكن انتشار الأفكار الإلحادية مقصورًا على أصحاب دين بعينه بل امتد إلى أتباع كل الديانات على حد سواء، خاصة فى ظل التوغل الشديد لشبكات التواصل الاجتماعى فى المجتمع، إذ تمثل هذه المواقع منصة انطلاق قوية لهذا النوع من الأفكار. تسعى المؤسسات الدينية لمواجهة الظاهرة المستفحلة كل بطريقته الخاصة، فلم يعد الإلحاد همًا لمؤسسات الدين الإسلامى وحدها، بل تشترك الكنيسة المصرية فى هذا الهم وتعمل على محاصرته وسد الثغرات التى يتسرب منها إلى عقول شبابنا، والملحدون بعضهم يرفض وجود الله، والبعض الآخر لا يعترف بالأديان السماوية. «الدستور» اقتحمت هذا الملف المجتمعى والدينى الشائك، وناقشت الكنائس المصرية فى مدى اعترافها بهذا التحدى، للحد من انتشار «ظاهرة الإلحاد» بين صفوف الشباب القبطى. هذا التحقيق يبحث ما هى الآليات التى تقوم بها الكنائس المصرية لمواجهة الإلحاد.
الأرثوذكسية: دورات تدريبية للشباب وحملات للتوعية على «فيسبوك»
«الإلحاد تحد كبير يواجه المجتمع بشكل شامل، لكنه لم يصل لمستوى الظاهرة المجتمعية، كما يحدث فى المجتمعات الغربية».. هذا ما قاله القس بولس حليم، المتحدث الإعلامى للكنيسة الأرثوذكسية، فى تقييمه لظاهرة الإلحاد، حيث أرجع حالة الطمأنينة المستترة التى لمحناها فى كلامه إلى رهانه على تمسك المجتمع المصرى بفكره الدينى، مقارنة بالمجتمعات الأخرى. وأضاف «حليم»: «القنوات الإعلامية المفتوحة، بدون رقابة، أسهمت فى تشكيك الشباب فى عقيدتهم الدينية، هذا مع وجود الحافز الخارجى المتمثل فى انتشار ظاهرة الإلحاد بالخارج، فالشباب لديه نزعة لتقليد أفكار الغرب بدون انتقاء، ولذلك تأثروا كثيرًا بأفكار الإلحاد هناك».
واعتبر «حليم» إعمال العقل الزائد، أحيانا، سبباً من أسباب الإلحاد، مؤكدًا أن الفحص العقلى، أحياناً، يتنافى مع الإيمان المسيحى، لأن أعمال الله دائماً تفوق تفكير البشر، بحسب قوله. ويرى «حليم» أن عددا من الشباب القبطى تأثر ببعض السلبيات الموجودة بالكنائس ما جعله غير موجود بالكنيسة، وبالتالى يصطدم بالفكر الإلحادى نتيجة ابتعاده عن الكنيسة، لافتا إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تواجه الإلحاد من خلال أساليب كثيرة، أهمها «مواجهته بالتفكير العلمى» وهذا ما تسعى إليه أسقفية الشباب، لتقديمه لأبناء الكنيسة من خلال كورسات، ودورات تدريبية، تعلم الشباب القبطى الرد على التشكيك بإيمانهم ودينهم. وأكد «حليم» إتاحة هذه الدورات فى معضم الكنائس المصرية، إضافة إلى سعى الكنيسة الدائم للتواصل مع الشباب عن طريق السوشيال ميديا «مواقع التواصل الاجتماعى» موضحا: «يقوم بهذه المهمة شباب قبطى تابع للكنيسة، هدفه الرئيسى الرد على دعاوى الإلحاد على موقع فيسبوك وغيرها من المواقع الاجتماعية».

الإنجيلية: قنوات فضائية تتصدى لـ«الأفكار المغلوطة»
الكنيسة الإنجيلية لم تذهب بعيدا بفكرتها عن مواجهة ظاهرة الإلحاد، حيث ترتكز فى خطة المواجهة فى اعتمادها على وسائل الإعلام للرد على دعاوى الإلحاد بشكل علمى. القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، يرى أن الإعلام هو الوسيلة الأقرب لفكر الشباب «كونهم يتعلمون الأفكار السليمة والخاطئة»، ومن هنا جاءت الأفكار الإلحادية إلى الشباب المصرى. تلك هى عصب المشكلة، كما أوضحها «زكى» الذى قال: «سنواجه الأفكار الإلحادية بنفس الطريقة التى تغزو بها شبابنا، بالإعلام» «زكى» أكد أن للكنيسة بعض البرامج الشبابية على قناتى «سات 7» و«معجزة» التابعتين للطائفة الإنجيلية، وأن هدفها الرئيسى الرد على الإلحاد من خلال باحثين يستخدمون الأسلوب العلمى للحد من هذه الظاهرة. وأشار «زكى» إلى أن الكنيسة الإنجيلية لديها باحثون بكلية اللاهوت الإنجيلية، فى داخل وخارج مصر، هدفهم الرئيسى الرد فقط على الملحدين وإثبات وجود الله مؤكدا على وجود «فرق شبابية» من هؤلاء الباحثين يلتقون بالشباب المسيحى لمناقشتهم فى كل تساؤلاتهم حول الإيمان، وردهم على الإلحاد بشكل علمى.
الكاثوليكية: لقاءات مباشرة للرد على التشكيك
توجه الكنيسة الكاثوليكية مغاير بعض الشىء فى مواجهته للإلحاد، حيث يعتمد على اللقاءات المباشرة لدحض الأفكار الإلحادية، هذا ما استخلصناه من حديثنا إلى الأب كيرلس بشرى، راعى كنيسة سانت تريز الكاثوليكية، بشبرا، الذى قال: «ظاهرة الإلحاد تستهدف فئة الشباب بشكل خاص ولذلك علينا أن نتواصل مع فكر الشباب باللقاءات الدائمة معهم، خاصة أن أفكارهم دائمة التقلب»، مشددا على وجوب «اليقظة والتنبه وملاحظة ورصد هذه التغيرات، فهى سلاحنا للتصدى للأفكار الغريبة عن العقيدة المسيحية». وأوضح «بشرى» أن الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، تعتبران الإلحاد ظاهرة يجب الحد منها على مستوى كنائس العالم، وليست الكنائس المصرية فقط، وأكثر المتأثرين بهذه الظاهرة هم الشباب، لذلك نحاول التواصل معهم دائماً من خلال مؤتمرات شبابية تقترب من فكرهم وترد على أى شكوك حول الإيمان المسيحى.
الإكليريكية: نواجه بمؤلفات بنيامين المحرقى
الكلية الإكليريكية، ومعهد الدراسات القبطية، هى الخطوات الأولى لأى شاب قبطى يسعى للكهنوت وقيادة الكنيسة وفى الوقت الحالى تسعى هذه المؤسسات التعليمية المسيحية التابعة للكنيسة الأرثوذكسية لمواجهة الإلحاد ولكن بالتفكير العلمى من خلال مواد دراسية تقدمها لطلابها للرد على الإلحاد. إسحق فايز، خريج فى الكلية الإكليريكية، موقن أن مواجهة الإلحاد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الدراسة فى الإكليريكية، ومعهد الدراسات القبطية أيضا، قائلا: هناك مادة تسمى «اللاهوت النظرى» من تأليف الراهب الدكتور بنيامين المحرقى، الذى له العديد من المؤلفات التى ترد على الإلحاد وندرسها على عامين من السنوات الدراسية للرد على الإلحاد.
«فايز» كشف أنه يدرس الرد على نوعين من الإلحاد هما: «الإلحاد القديم والذى يرفض وجود الله، والنوع الجديد من الإلحاد لا ينكر وجود الله ولكن ينكر عمله». وأضاف «فايز» أن هناك أبحاثًا علمية أصبحت جزءًا من دراسة طلاب الكلية الإكليريكية، هدفها الرئيسى هو كيف نطور أساليب الرد على أفكار الإلحاد بشكل علمى لخلق شباب قبطى من الباحثين لديهم القدرة على الدفاع عن الإيمان المسيحى من شر الإلحاد.
اللاهوت الدفاعى: «مهمتنا كشف الشبهات»
مواجهة الإلحاد لم تكن مؤسسيا فقط عبر الكنيسة، بل أخذ عدد من الشباب المسيحى الاتجاه إلى تأسيس كيانات هدفها مواجهة هذه الظاهرة.
يأتى «اللاهوت الدفاعى» من بين هذه الكيانات وهو مكون من مجموعة من شباب الباحثين فى المجالات اللاهوتية الدفاعية بشكل خاص والمجالات اللاهوتية بشكل عام. تأسس هذا الفريق منذ عام 2012 «5 سنوات» هدفه الرئيسى الدفاع عن العقيدة المسيحية والرد على أفكار الإلحاد، بحسب تعريفهم لانفسهم، إذ يتواجد هؤلاء الشباب على موقع «فيسبوك» بجانب موقعهم الخاص على الإنترنت، للرد على شكوك البعض تجاه العقيدة المسيحية بشكل علمى.
فادى سعد، أحد شباب الباحثين فى فريق «اللاهوت الدفاعى»، قال: «إن هدف مجموعتنا الرئيسى هو الرد على الشبهات الموجهة إلى الإيمان المسيحى، والكتاب المقدس، ومناقشة الفكر الإلحادى، وكذلك نقوم بالرد على الأسئلة من المسيحيين، ويقود الفريق القمص عبدالمسيح بسيط أبوالخير، أستاذ اللاهوت الدفاعى وتاريخ العقيدة بالكلية الإكليريكية، وهو أدمن فى صفحة «فريق اللاهوت الدفاعى» على موقع فيس بوك، ليشاركنا مهمة الرد على الملحدين».
وأوضح «سعد» المقصود بمصطلح «الشبهات» قائلا: «نقصد به الاعتراضات التشكيكية، والأكاذيب التى يطرحها بعض غير المسيحيين على المسيح، والإيمان المسيحى، والكنيسة، والكتاب المقدس، والله، والشبهات نقوم بإيضاحها بالرد عليها».
الكنائس الثلاث: الطلاق من الملحد مباح
ونظراً لانتشار الإلحاد بين بعض الشباب، نتج عن ذلك اتفاق بين الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، على السماح بالطلاق عند اكتشاف إلحاد أحد الطرفين المتزوجين.
من جانبه، قال جميل حليم، المستشار القانونى للكنيسة الكاثوليكية، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للأقباط نصت إحدى مواده على السماح بالطلاق فى حالة إثبات إلحاد أحد الطرفين.
اسأل والأنبا رافائيل يجيب على «يوتيوب»
أطلقت أسقفية الشباب، التابعة للكنيسة الأرثوذكسية، قناة جديدة على موقع «يوتيوب» منذ ما يقرب من شهر، بغية التواصل مع الشباب المسيحى على الإنترنت اسموها «يوتيوب أرثوذكسى»، وتحاول القناة أن تكون حلقة وصل بين الكنيسة والشباب. الأنبا «رافائيل» أسقف عام كنائس وسط البلد، يقدم برنامجًا على هذه القناة بعنوان «اسأل والأنبا رافائيل يجيب»، يرد فيه على الشباب فيما يخص مشاكلهم وأسئلتهم الإيمانية حول العقيدة المسيحية وأيضا للرد على أفكار الإلحاد، بشكل أسبوعى، وهو لقاء مفتوح مع الشباب.