رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النور الأحمر


من المشاهد التى جذبت نظرى سيدة تريض كلبها الصغير فى حجمه، وقد لا يكون كذلك فى عمره، وقبل أن تعبر السيدة وكلبها مفترق الطريق، أشارت إلى كلبها الأبيض أن يلاحظ إشارة المرور، وقد كانت حمراء، وإذ بكلبها يجلس على قدميه الخلفيتين وعيناه نحو الإشارة الحمراء، وبمجرد أن تغير النور الأحمر إلى الأخضر، رأيت الكلب الظريف يقف على رجليه وينظر إلى السيدة، وكأنه يقول هيا نعبر الطريق.

لاشك أن هذه السيدة دربت كلبها على احترام الإشارات المرورية، إذ يمكن لهذا الكلب أو لغيره من زملائه أن يساعد الذين حرموا من نعمة الإبصار على السير فى الطرق العامة، كما يمكن لمثل هذه الكلاب المدربة أن تعطى دروساً لمن لا يحترم الإشارات المرورية من قادة السيارات والمشاة.

فاتنى أن أذكر أن السيدة وكلبها كانت تسير فى أحد شوارع مدينة نيويورك، تلك المدينة المزدحمة بالسكان بكثافة تضعها فى الترتيب الثانى عالمياً. وبعد هذه المقدمة أدخل فى الموضوع، فقد كثر الحديث هذه الأيام عن الانتخابات، والاستفتاءات، واستطلاع الآراء، وكيفية الممارسة، وما يثار حولها من دعايا، بعضها مشروع، وبعضها غير مشروع، مما استدعى ضرورة الإشراف القضائى بمعدل قاض على كل صندوق، ومراقبة ذلك عن طريق بعض فئات المجتمع المدنى، ومندوبى المرشحين من الأحزاب، أو الأفراد الذين يمثلون المرشحين، حتى وصل الأمر إلى وجود مراقبين يمثلون مؤسسات أجنبية مثل مؤسسة كارتر، حتى إن جيمى كارتر نفسه - الرئيس الأمريكى الأسبق - يتفقد بنفسه بعض اللجان الانتخابية، ثم يدلى بشهادته بناء على ما يشاهده فى لجنة أو أكثر، غالبا ما تكون الزيارة فى مدينة القاهرة وفى أحيائها الراقية، ووفق ترتيبات أمنية تجعل الزيارة معلنة مسبقا، مما يعطى للزيارة وصفا استعراضيا خاصاً.

وها نحن نقترب من موعد الانتخابات البرلمانية لغرفة البرلمان الأولى، وهى مجلس النواب وفقا للدستور الجديد، والذى تجرى عليه الدراسات والحوارات فى القصر الجمهورى، استنادا إلى التزام السيد الرئيس الذى وضعه على نفسه بتقديم المواد المختلف عليها إلى المجلس التشريعى بهدف تعديلها تحقيقا للتوافق الوطنى، ولرأب الانقسام الحادث هذه الأيام.

وبالفعل قدمت المواد المتفق عليها على أنها تحتاج إلى تعديل إلى السيد نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى، ولما كان مجلس النواب لم يشكل بعد، وينتظر انتخاب أعضائه فى غضون ثلاثة أشهر، ويا عالم متى سيبدأ المجلس المقبل فى فتح هذا الملف، وقد يستغرق الأمر سنوات قد تستغرق الفترة الرئاسية الأولى للسيد الرئيس، ولهذا أضيء الإشارة الحمراء للتوقف عندها والتفكير فى الاقتراح التالى:

لما كان مجلس الشورى الحالى مناطا إليه مسئولية التشريع وفقا للدستور المجاز بالاستفتاء الشعبى، وهو الآن فى طريقه إلى إصدار قوانين عديدة، فلماذا لا يتقدم السيد الرئيس إلى هذا المجلس بتعديلاته الدستورية بناء على رغبة شعبية، تمثلت فى أكثر من ثلاثين فى المائة من الرافضين للدستور، ونحو أكثر من نصف عدد من لهم حق إبداء الرأى من المصريين. أما المبرر الأهم فهو رغبة عارمة من الشعب، ممثلا فى المرأة والشباب الذين أهملهم الدستور، بالإضافة إلى جميع المسيحيين شركاء الوطن، والذين همشهم الدستور وأقصاهم، إن الكرة مازالت فى ملعب السيد الرئيس وبيده مفتاح الإشارات، ويمكنه إضاءة النور الأخضر ليعبر المصريون الطريق للعمل معا من أجل النمو والإنتاج واستقامة الأحوال، فقد طال وقت الإشارة الحمراء، ومصر لا تحتمل إطالة الإشارة الحمراء أكثر من ذلك