رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيوت الله بيوت سلام


يقول الكتاب المقدس عن مكان حياة السيد المسيح: «وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ..»، «إنجيل متى 13: 54»، بما يعظم مفهوم مصطلح «الوطن» ووطننا العزيز «مصر» لدى المصرى المسيحى، والكنيسة القبطية العتيدة تضع اسم الوطن دوماً مع اسم الكنيسة لتعريفها «الكنيسة المصرية».. بينما اختار قداسة البابا شنودة الثالث مقولة المحامى الوفدى الأشهر مكرم عبيد «مصر ليست وطناً نعيش فيه، بل هى وطن يعيش فينا» ليؤكد ضرورة قيمة الولاء الكامل من جانب المواطن للوطن مهما كانت تحديات ومتغيرات الانخراط فى مشاوير التغيير والإصلاح، ومهما بلغت حدة وصعوبات مواجهة معوقات إقامة مجتمع المحبة والتسامح والسلام.



أما قداسة البابا تواضروس الثانى فكان خياره لشعار «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن» رداً على حملة جماعات التطرف الشريرة التى قامت بحرق وهدم ونهب الكنائس بشكل همجى بربرى إثر عملية فض إمارة «رابعة العدوية» وقرينتها «النهضة» لتهدئة روع الأقباط وغضبهم، والتأكيد أيضاً على أولوية الانتماء للوطن بشكل عملى من جانب «كنيسة الوطن» وكأنه أيضاً يؤكد على متغير جديد قد حدث بعد ثورة 25 يناير بخروج المواطن المسيحى إلى رحابة الوطن متجاوزًا الانحياز السابق إلى مفهوم «الكنيسة الوطن» إلى «كنيسة الوطن» باعتبارها مؤسسة وطنية مصرية.

وفى المفهوم الروحى ووفق الإيمان المسيحى تؤكد لنا المراجع الإيمانية فى تعريفها للكنيسة ما جاء فى الكتاب المقدس «كولوسى 1: 18».. «وَهُوَ المسيح رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ».

ذلك التعريف المختصر للكنيسة فى الإيمان المسيحى بما يحمل من مكانة روحية وارتباط هائل بطقوس روحية ذات دلالات مهمة وثوابت عقائدية يشير إلى أهمية ذلك المبنى ليس فقط بوجوده المادى لدى المواطن، فالتعميد للطفل طقس روحى يتم فى الكنيسة، وكذلك طقوس الاعتراف والتناول وعقد مراسيم الخطوبة والزواج ورفع الصلوات والاحتفال بالأعياد الدينية، وعقد الاجتماعات الروحية للوعظ والتعليم والإرشاد الدينى والسلوكى، ووصولاً إلى إقامة الصلوات على الموتى فى نهاية الرحلة.

وعبر المسيرة الحياتية للمواطن المصرى المسيحى فى تلك الرحلة يتابع رسالة سلام تطلقها الكنيسة عبر تعليم آيات الكتاب المقدس.. فى «كولوسى ٣: 15» وَلْيَمْلِكْ فِى قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِى إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِى جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ... فى «المزامير٨٥: ٨» إِنِّى أَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ اللهُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ، فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ.. فى «أشعياء ٣٢:١٧» وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلاَمًا، وَعَمَلُ الْعَدْلِ سُكُونًا وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الأَبَدِ.. فى «لوقا٧:٥٠» فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِى بِسَلاَمٍ».. فى «2 تسالونيكى٣: 16» وَرَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ السَّلاَمَ دَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ.. فى «يوحنا ١٤: 27» سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِى أُعْطِيكُمْ.. لَيْسَ كَمَا يُعْطِى الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.

وبمناسبة الحديث عن دور المؤسسات الروحية، قال الرئيس السيسى خلال مشاركته فى قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية: «أنتهز الفرصة دى وأقول يارب أنا هنا فى بيت من بيوت الله.. يا رب احفظ مصر يارب الاستقرار لمصر ويا رب أغننا بفضلك عمن سواك».

ولكن، هل من أجل الكنيسة وهى بيت من بيوت الله وفق التعبير الرئاسى ورسالة السلام التى ترعاها من أجل وطن وشعب جاء فى وصفه بالكتاب المقدس الآية «مبارك شعبى مصر»، كان لمجلس النواب منذ أربعة أشهر وجهة نظر أخرى عندما أصدر قانوناً لبناء الكنائس مخيباً للآمال فى عدد من بنوده، وكأنهم لم يتابعوا كم المضايقات التى تواجه عمليات بناء الكنائس فى بعض المواقع؟!.

من منا ينسى الصرخات الغاضبة ورفع الشعارات الطائفية ومنها « بالطول بالعرض هنجيب الكنيسة الأرض.. مش عاوزين كنيسة بقرية البيضا بالعامرية بالإسكندرية» بعدما أشيع عن تحويل مبنى تحت الإنشاء إلى كنيسة وتم الاعتداء بالطوب على المنازل وتدمير سيارة كاهن القرية وإصابة قبطيين، وفى حينها سأل الناس: لماذا لم يتم تطبيق قانون التظاهر الذى تم تفعيله على الشباب فى ميادين التظاهرات السياسية؟!.

ومؤخرًا، كان قرار رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 29/1/2017 بشأن تشكيل لجنة توفيق أوضاع الكنائس وملحقاتها والمبانى الدينية المقامة بالفعل وغير المرخصة، والقرار يزيد المخاوف حول طبيعة عمل اللجنة فى ظل سيطرة أجهزة الدولة، وهذا الحشد من تمثيل كل تلك الجهات الرقابية والأمنية وكأنها لجنة إقرار دخول حرب، ودون تحديد أى معايير علمية محددة تحكم عملية اتخاذ القرار داخلها!!.

سيدى رئيس الحكومة، هى والله بيوت الله بقرار جمهورى، وبيوت الله بيوت سلام.. يا سيدى أنا كمواطن مسيحى خفت منى ومن كنيستى على أمن الوطن، وكدت أصدق تخوفاتكم فور إعلان قراركم التاريخى!!.