رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الترقيع الوزارى المنتظر


لسنوات طويلة جدًا، كانت الدساتير المصرية المتعاقبة تعتمد نظام الحكم الرئاسى الذى يعظم بشدة من سلطات رئيس الجمهورية إلى الحد الذى يصبح معه منصب رئيس الوزراء بلا صلاحيات تذكر من الناحية الفعلية، وإن ظلت له وظيفة سياسية مهمة تتمثل فى تلقى سهام النقد أو حتى الهجوم الشخصى نيابة عن الرئيس الذى كان ينسب له الفضل كله عند كل نجاح، بينما توجه أصابع الاتهام عند كل فشل أو إخفاق لرئيس الوزراء وأعضاء حكومته، كل فى اختصاصه.

 وللمرة الأولى يتغير هذا الوضع -نظريًا على الأقل- مع إقرار الدستور الحالى الذى أخذ بالنظام المختلط أو شبه الرئاسى؛ بحيث أعطى صلاحيات أوسع للحكومة ولرئيس الوزراء، كما قيد سلطة رئيس الجمهورية فى تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم؛ حيث اشترط لذلك موافقة مجلس النواب الذى يحق له أيضًا رفض التشكيلة المعروضة من الرئيس وعدم منحها الثقة، وفى هذه الحالة يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا للوزراء من الحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية أو الأكثرية النيابية، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا عُدَّ المجلس منحلًا، وذلك وفقًا لنص المادة ١٤٦ من الدستور.

ولأن الدستور قد أعطى صلاحيات حقيقية وواسعة لرئيس مجلس الوزراء وأعضاء حكومته -وإن لم تطبق عمليًا حتى الآن- فإن المنطق يقتضى أن تمارس الحكومة اختصاصاتها وأن تتحمل فى الوقت نفسه مسئولية النجاح أو الفشل أمام المواطنين، لكن تبقى المسئولية الأكبر على من انتخبهم الشعب المصرى سواء رئيس الجمهورية الذى يقترح التشكيلة الحكومية، أو مجلس النواب الذى يمنحها الثقة، والذى يفترض ألا يفعل ذلك قبل مراجعة جادة لمشروع البرنامج المقدم إليه منها، ثم مناقشات عميقة فى اللجان النوعية للمجلس مع الأسماء المطروحة لشغل المواقع الوزارية المختلفة حول رؤية كل منهم لكيفية آداء وظيفته على النحو الذى يتصدى معه للمشكلات القائمة، ويقدم الحلول المبتكرة، ويطور منظومة العمل التى سوف يأتى على رأسها إلى الأفضل.

وعلى المجلس أن يؤدى هذه المهمة وأمام أعضائه، نص المادة ١٠١ من الدستور، والتى تحدد اختصاصاته ومن بينها «إقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة»، وهو الأمر الذى يعنى أن مجلس النواب عليه أن يرسم للحكومة الإطار العام الذى تتولى من داخله التنفيذ تحت رقابته أيضًا، وهو ما يجعل منه -أو بالأحرى من الأغلبية البرلمانية- المسئول الأول أمام الشعب عن أداء الحكومة التى جاءت بإرادته، وهو من يملك أن يلزمها بخطط وبرامج يقرها، فإن هى لم تلتزم كان من حقه أن يحاسبها مستخدمًا أدواته الرقابية وصولًا إلى سحب الثقة منها.

وبينما تعيش مصر هذه الأيام على وقع التعديلات الوزارية التى ينتظر أن تعرض على مجلس النواب خلال ساعات فإن الأمر يستدعى أسئلة عديدة؛ أهمها سؤالان رئيسيان الأول عن كيفية اختيار الوزراء وأسباب إعفائهم، والثانى عن جدوى التغييرات الوزارية المتكررة وإمكانية إحداث ذلك لفارق جوهرى فى أداء الوزارات المختلفة.

أما عن السؤال الأول فإن الحقيقة التى نراها أمامنا والتى يدفع المواطن ثمنها كل يوم، فهى أن طريقة اختيار الوزراء لم يطرأ عليها أى تغيير يذكر عما كان عليه الحال قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، كما لم نستطع حتى الآن أن نقر نظامًا منضبطًا للعمل نستطيع معه محاسبة الوزير سياسيًا لنعرف مدى مسئوليته عن النجاح أو الفشل فى مهمته، دون إغفال المسئولية التضامنية للحكومة ككل، ومن غير إسقاط العوامل الخارجة عن إرادتهم أيضًا، ولذلك فإننى أعتقد أن القدرة على التقييم الموضوعى -لا الشخصى- لأداء الوزراء فى مصر تبقى مسألة صعبة للغاية خاصة على غير المتخصصين، وهم الأغلبية من أعضاء مجلس النواب المعنيين بمحاسبة الوزراء، ومن قبل ذلك تكليفهم، ومن بعده إعفاؤهم من مناصبهم.

ويبقى السؤال الأهم والذى يتعلق بالمنتظر من هذا التعديل الوزارى أو غيره، وبكل أسف فإننى أرى أن ذلك سوف يحدث تغيرًا محدودًا -سلبًا او إيجابًا- تبعًا لمدى كفاءة الأسماء الجديدة مقارنة بمن سيتركون مواقعهم، وكثيرًا منهم لا يعرف لماذا أتى سابقًا، أو لماذا يرحل الآن.

إن التغيير الحقيقى الذى يطمح إليه المواطن، والذى يستحقه أيضًا، إنما يتأتى بتغيير الرؤية والسياسات والبرامج والأهداف والانحيازات أولًا، ثم الاجتهاد فى اختيار أكفأ وأنسب العناصر القادرة على تنفيذ الخطط فى إطار استراتيجيات لا تتبدل بشكل عشوائى تبعًا لأهواء كل قادم إلى موقع المسئولية، ومن دون ذلك فإن الأمر كله لا يعدو كونه عمليات ترقيع نستغنى خلالها عن بعض الأسماء التى استهلكت شعبيًا؛ لنأتى بأسماء جديدة تسير بنا فى نفس الطرق القديمة التى لن تصل بنا إلى النتائج التى يتمناها الشعب، وحتى الآن لا يلقاها.