الاقتصاد.. مقبرة الإخوان!!
من الممكن خداع الجماهير وتضليلها سياسياً.. وأيضاً الكذب بكل الألوان.. وأيضاً تقديم الوعود بلا حدود.. ولكن الاقتصاد له قواعد ومعاملات لا يمكن التعامل معه كما يتم التعامل بالسياسة.. فقد سبق أن تم إطلاق الكثير من الوعود الزائفة ورفع الشعارات
المضللة وأهمها ما كان يعلنه النظام السابق من أجل استغلال حاجات الجماهير.. إننا نعيش الآن فى ظل نفس الشعارات، فكثيراً ما كان يتحدث مبارك وأركان نظامه عن «الاستقرار والاستمرار».. وكان هذا يعنى سلب احتياجات الجماهير وإرهابها وقهرها.. وقد سقط نظام مبارك وهو يلتف بهذه الشعارات.. والآن نعيش فى نفس هذه الشعارات. وكلها تعنى أن يستمروا ملوحين بالاستقرار. وكان من أهم الشعارات الزائفة والوعود الخيالية حتى ينتزعوا كلمة «نعم». فقد أطلق وزيرهم «محسوب» والذى يحسب عليهم، بأن بعد الموافقة على الدستور سيتم منح أصحاب المعاشات الحد الأدنى وهو سبعمائة وخمسون جنيهاً وهو الحد الأدنى لأصحاب المعاشات برغم أن هذا الحد الأدنى هو أقل من مائتى جنيه.
وقد خدعت الملايين من أصحاب المعاشات بوعود الوزير حتى استطاع أن يحقق مكاسب برضوخ كلمة «نعم».. والآن على الوزير أن يحقق هذا الوعد الذى يساوى ثمانية عشر ملياراً سنوياً قيمة هذا الوعد الكاذب! فهناك خمسة ملايين من أصحاب المعاشات معاشاتهم الشهرية تقل عن 500 جنيه حتى 170 جنيهاً فهل ستحقق يا سيادة الوزير الذى تطالب يومياً بتطبيق شرع الله.. أليس هذا من الشرع أن تحقق هذه الوعود حتى تخفف معاناة القهر عن هذه الملايين.. أم أنك كنت تخادع وتضلل هؤلاء البسطاء الفقراء!! هذه صورة واحدة من شعارات الكذب والتضليل التى كانت تطلق علينا يومياً.
إن الاقتصاد لا يمكن التعامل معه بهذه الصورة، كان هذا هو الموجز.. وإليكم حقيقة الاقتصاد الآن.
إن الدين العام الداخلى والخارجى يصل كما أعلنت الحكومة إلى تريليون و200 مليار جنيه، وفوائده السنوية تزيد على مائة وعشرين مليار جنيه، هذا يعنى أن كل موارد الدولة السيادية من إيرادات قناة السويس والبترول والغاز والجمارك كلها أقل من فوائد الدين العام، أى أن إيرادات الشعب المصرى من كل ثرواته أصبحت مرهونة بفعل الدين العام.. فهل يمكن لأى دولة فى العالم أن تصبح مواردها السيادية مرهونة بالديون؟ ومن أين سيتم تنمية البلاد اجتماعياً وهى مغلولة اقتصادية؟ إن ما يعلنه وزير المالية يومياً عن عجز الموازنة يصل إلى مائتى مليار جنيه وتبقى من عام الموازنة أقل من مائتى يوم، فهل يمكن أن تحصل الخزانة العامة يومياً على مليار جنيه حتى تستكمل العجز؟
إن الوطن صاحب كل هذه الثروات فى داخله أصبحت نسبة الفقر فيه تصل إلى 40٪ من أبنائه.. فهل يعقل أن وطناً به كل هذه الثروات وأيضاً هذه النسبة من الفقر؟! وهناك أيضاً نسبة تصل إلى 10٪ أصبحوا تحت خط الموت بالمعايير الدولية!!.. وهناك 12 مليون عاطل دون عمل فمتى سيتحقق لهم الحلم للحصول على فرص عمل تعطيهم الحياة.. و50٪ من هؤلاء العاطلين تخطو سن الثلاثين وأغلب هؤلاء يحملون المؤهلات العليا والباقى مؤهلات متوسطة، فمن إذاً سيحقق المعجزة؟ والتى لا تأتى بإطلاق البخور والشعوذة!، ومن الغريب أن الوطن به كل هذه الأمراض ولديه شريحة استمرت منذ نظام مبارك وحتى الآن أى قبل الثورة وبعدها يحصلون على أجور ودخول وهم بالمئات يصل دخل كل منهم إلى أكثر مما يحصل عليه رجل «البيت الأبيض».. فهل يعقل فى هذا الوطن أن يصل راتب موظف حكومى إلى أكثر مما يتقاضاه الرئيس أوباما نفسه؟!.. واسألوا قيادات البنوك وشركات البترول والغاز والهيئات والمصالح وكل قيادات الوزارات ومكانتهم حتى الخدم منهم عن حقيقة ما يتقاضونه؟ حتى كتائب المستشارين أصبحت تنتشر الآن أكثر مما كانت أيام مبارك نفسه بل ورفعت دخولها حتى وصلت إلى درجة أنها تستطيع أن تواجه وتهاجم بل وتقاتل كل من يقترب منها.. وهذه الكتائب المسلحة بقرارات جمهورية ووزارية وإدارية تحصل من الموازنة العامة ما يصل إلى 25٪ من أجور الشعب المصرى.
ولكن جماعة الإخوان المسلمين عقدت اتفاقاً مع جميع هؤلاء الذين يحصلون على أجور ودخول فى مجملها أكبر مما يتقاضاه الشعب المصرى بأن يعملوا فى خدمة الجماعة مقابل أن يبقوا فى مواقعهم يمارسون النهب القانونى والشرعى!.. ولكن الأهم أن هناك 2500 مصنع فى جميع المدن الصناعية فكيف تفتح هذه المصانع وتعمل فى ظل بلد مفتوح على مصراعيه لكل أسواق العالم، والعالم كله أصبح يحمى صناعاته الوطنية ويدعوها إلى التصدير، كما رفعت اليابان شعارها «التصدير أو الموت»!.. فهل تستطيع جماعة الإخوان المسلمين أن تحمى الاقتصاد الوطنى كما نادى به طلعت حرب منذ مائة عام تقريباً.. ولكن الجماعة لا تجيد الصناعة ولا تفهم فى الاقتصاد وهى مرتفعة الأداء فى التجارة والاستيراد وافتتاح المحال والبيع على عربات اليد والكارو؟
فهل يمكن أن يقوم اقتصاد على هذه العوامل وبهذه الأساليب المتخلفة؟ إن إدارة محل تجارى يختلف كثيراً وكلياً عن اقتصاد الوطن فنحن نعيش الآن على اقتصاد البيع والشراء فى الأراضى والخردة فكيف يمكن لوطن أن ينمو اقتصادياً؟
إن العالم أصبح يدرك ما يحدث فى مصر من انهيار اقتصادى تحول إلى كارثة اجتماعية وهو لن يغامر لمساندة هذا الاقتصاد وهو أيضاً يعانى مشاكل.. فهل يأتى لمساعدتنا ويترك مشاكله؟ وهذا ما حدث من مواقف فى الاتحاد الأوروبى وبخاصة ألمانيا حتى صندوق النقد الذى جمد قروضه ثم تخفيض الائتمان طويل الأجل لمصر.. وبعد يومين تم تخفيض الائتمان لثلاثة بنوك مصرية كبرى.
إن الحل الوحيد ولا حل غيره فى إنقاذ البلاد من هذه الكارثة إلا بتوحيد صفوفها السياسية حتى تقبل كل الطبقات التضحيات نحو إنقاذ هذا الوطن.. وهذا ما لا يمكن أن تقبله جماعة الإخوان المسلمين التى تحقق انتصارات سياسية وتستولى على كل مؤسسات الدولة رافعة شعار «الصناديق».. وما تأتى به الصناديق وهى صناعة تجيدها كل تاريخها ونسألهم لقد حصلوا على 10 ملايين صوت قالوا «نعم» لدستورهم مقابل 42 مليوناً كانوا خارج أسوارهم وهذا يعنى أن 80٪ من الشعب المصرى أصبحوا يمثلون الآن أقلية مقابل 20٪ أصبحوا يمثلون الأغلبية، فلا زلتم تحتفلون بحصولكم على هذه الأغلبية الكاسحة وهى نتيجة معلنة منكم وليس منا.. واسألوا العالم كله هل يمكن لـ 20٪ يعلنون الأغلبية و80٪ هى الأقلية؟ إن من يحكمون بهذا الفكر المتخلف القائم على الهيمنة والسيطرة وهم لا يملكون أى فكر اقتصادى سوى البيع والشراء وتقسيم الأراضى!
إن كل ما يحدث الآن هو إزاحة رجال أعمال مبارك وتقديم رجال أعمال الإخوان المسلمين. فما فائدة الثورة التى قامت من أجل الإطاحة بنظام كان يستغل الجماهير وينهب ثروات الوطن؟.. فهل سالت دماء شهداء التحرير وميادين الوطن كله من أجل أن تستبدل المستغلين من نظام مبارك بمستغلين من نظام جماعة الإخوان المسلمين؟.. إن شعارات الثورة نحو العدالة الاجتماعية تحولت إلى «زعيق سياسى» الجميع يطالبون به وكل المسئولين فى مؤسسات الدولة يستعملون «العدالة الاجتماعية» كـ «كلمة» واصطلاح سياسى دون أى مضمون أو اتخاذ مواقف معلنة وعملية.. فهل يمكن أن تطبق العدالة الاجتماعية فى ظل قوانين قامت على البطش الاجتماعى ونهب ثروات البلاد وتكبيل الطبقات الشعبية بالحديد من أجل أرباح المستغلين؟
إن قوانين استغلال العمال والتنكيل بهم مازالت هى السارية، حيث يخضع 17مليون عامل يعملون فى ظل رجال أعمال دون أى حقوق مادية أو معنوية، حيث يتم فصلهم تعسفياً فى أى وقت ودون أى ضمانات. فهل يمكن أن يكون هذا عدلاً اجتماعياً؟ إن استمرار العمل بقانون «12» الخاص بالعمل الموحد وكذلك قانون «8» استثمار.. فهل يمكن تطبيق العدالة الاجتماعية فى ظل هذه القوانين؟.. إن العدالة الاجتماعية سوف تستمر شعاراً قد استغل فى ظل كل الأنظمة السابقة ويستمر الآن وسوف يستمر بعد ذلك لأنها قوانين الاستغلال.
إن للجماهير حقوقاً فى ثرواتها الطبيعية وقد تم نهب هذه الثروات فى ظل نظام مبارك. فهل ستعود هذه الثروات حقاً للجماهير؟ وهل سيشعر المواطن بأن له حقاً فى قناة السويس والبترول والغاز وجميع ثرواته الطبيعية؟ إذاً لا يمكن تحقيق اقتصاد وطنى مستقل دون تضحيات من جميع الطبقات خاصة التى تملك.. ولا يمكن الحصول على تضحيات من الطبقات المقهورة التى سلبت فى الماضى والحاضر من الطبقة الوسطى حتى كل الطبقات الأخرى.
إن الاقتصاد بهذه الصورة لا يمكن أن تديره جماعة الإخوان وهى لا تملك تاريخياً لإدارة اقتصادية تستطيع منها إنقاذ الوطن.
إذاً استمرارها فى السيطرة والهيمنة على كل مرافق ومؤسسات الدولة وحدها دون غيرها.. إنما تتجه بذلك إلى اقتصاد منهار ولا يمكن إنقاذه مهما كانت التمنيات.
وما لم تعلمه جماعة الإخوان أن الشعب المصرى الآن وفى طليعته شبابه ليس ما كان موجوداً قبل 25 يناير وفى ظل الأنظمة السابقة.. بل هو شعب يبحث عن مطالبه وبسرعة لن تحتمل التأجيل فهو صاحب الثورة وصاحب الدماء التى سالت.. وعلى جماعة الإخوان المسلمين أن تعى تماماً أن هناك أكثر من ثمانين مليون مصرى ينظرون إليها اقتصادياً.. إن الثمانين عاماً الماضية لا يمكن مقارنتها بالأيام القادمة.. وإن مصير الشعب لا يمكن أن يتم رهنه بتجارب غير معمول بها وإنها ستؤدى بنا إلى مزيد من الكوارث الاقتصادية التى ستطيح بكل أحلامنا نحو عدل اجتماعى يشعر به كل مواطن، والحقيقة المؤكدة أن الاقتصاد وهو المقبرة التى ستدفن فيها أحلام الإخوان المسلمين فى إدارتها شئون البلاد وحدهم دون غيرهم، حيث سيبقى الاستغلال للجماهير الشعبية وثروات البلاد هو القاسم المشترك بينهم وبين النظام السابق