رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكريات حول انتصار أكتوبر «١-٢»


اليوم هو يوم من أروع الأيام التى عشتها كمصرية، والتى بكيت فيها فرحاً وفخراً، وعاشتها مصر ولا تزال تجنى ثمارها، اليوم هو يوم استرجاع الكرامة لكل المصريين والفخر بمصريتنا التى حاولت إسرائيل كسرها، اليوم هو يوم الاعتزاز بقواتنا المسلحة الباسلة، التى رفعت العلم المصرى على أرض سيناء، واستطاعت فى ست ساعات العبور إلى الضفة الأخرى من قناة السويس. اليوم هو يوم رفع العلم المصرى شامخاً على أرض سيناء وتحطيم خط بارليف المنيع والمخيف، اليوم هو يوم الانتصار لمصر فى حرب كانت أشبه بخوض المستحيل، اليوم هو يوم فرحة غمرت البيوت المصرية التى تعلقت أنفاسها منذ الساعة الثانية بأجهزة الإذاعة والتليفزيون لمتابعة تصريحات الجيش المصرى كل لحظة لاسترداد الأرض التى تم اغتصابها لمدة ٦ سنوات من قبل العدو الإسرائيلى. قد لا يعرف الكثيرون من الشباب تحت الثلاثين ما قدمته القوات المسلحة من تضحيات لاسترداد الأرض المصرية التى احتلتها إسرائيل فى حرب الأيام الستة، والنكسة التى عاصرنا مرارتها وأحزانها وخسارتها فى الأرواح لمدة ٦ سنوات منذ يوم ٥ يونيه ١٩٦٧، وإلى لحظة العبور المجيد فى الثانية من ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، والذى كان يواكب يوم العاشر من شهر رمضان الكريم، إنه قرار يجسد شجاعة قائد وبسالة جيش وكرامة شعب، قرار اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات- رحمة الله عليه- بالحرب لاسترداد قطعة غالية من أرضنا كانت تحتلها إسرائيل ٦ سنوات، ذقنا فيها مرارة الحزن والغضب بسبب احتلال أرض سيناء العزيزة علينا وخسارة عشرات الآلاف من خير أجناد الأرض. والأكثر من هذا إحساس بالمرارة لانتصار العدوالإسرائيلى الذى كان يتفاخر بأنه الجيش الذى لا يقهر، وبأنه لا مساس بخط بارليف المنيع الذى لا يمكن هدمه أو اختراقه أو تدميره. عشنا محاولة الرئيس الراحل عبد الناصر التنحى بعد نكسه يونيه١٩٦٧، إلا أن الشعب رفض ذلك مطالباً إياه بالاستمرار خوفاً من ضياع الوطن. ثم جاءت وفاة عبد الناصر فى سبتمبر عام ١٩٦٨، ليتولى بعده الرئيس السادات رئاسة الدولة المصرية فى ظروف داخلية ودولية غاية فى الصعوبة والتعقيد، لكنه بدأ بمهارة بالغة وبحنكة تميز بها وبحس وطنى كبير، يرسم خططاً لاسترداد الكرامة فى ظل وضع داخلى لقى فيه انتقادات عنيفة، حتى إنه فى عام ١٩٧١ قامت مظاهرات ضده فى الجامعات المصرية، عاصرتها ولكنى لم أشارك فيها، ضد ما أسماه السادات سنة الضباب،، وكان للمرأة دور فى مساندة المجهود الحربى، وأتذكر أن والدتى كانت تسهم فى جمع التبرعات من خلال جمعية الهلال الأحمر المصرى لمساندة المجهود الحربى، كما كانت النساء يتبرعن بمصاغهن من أجل دعم القوات المسلحة، وقامت العظيمة أم كلثوم بجهد كبير فى هذا الصدد وسافرت إلى الدول العربية لدعم بلدها، كما قامت السيدة جيهان السادات بجهد كبير فى دعم الجبهة الداخلية وزيارة الجنود الجرحى فى حرب الاستنزاف، كماعاصرت أيضاً جهود والدتى السيدة رجاء حجاج- رئيس جمعية هدى شعراوى- التى أنشئت على حب الوطن والعطاء له، والتى كانت تذهب لزيارة الجنود الجرحى فى زيارات السيدة جيهان السادات لدعمهم فى المستشفيات الحربية وتلبية متطلباتهم واحتياجاتهم.

كنا جميعاً نقف كجبهة داخلية صامدة أثناء حرب العبور خلف ومع قواتنا المسلحة المصرية، تعلمت ذلك من خالى لأنه أحد أبطال حرب أكتوبر والذى كنت دائماً أراه مثالاً فى الوطنية ومثالاً فى الشرف ومثالاً فى الكرامة، وكنت أستمد من قوته وإيمانه ثقة بأن مصر لن تنهزم ولن تنكسر، ومازلت أؤمن بهذا حتى اللحظة الراهنة.

كنت ومازلت أنتمى لأسرة تؤمن بأهمية أن يكون لمصر جيش قوى قادر على حمايتها، كنت ومازلت أدعم وأثق فى الجيش المصرى الباسل الذى أعطى لمصر الكثير ولا يزال، فخالى الراحل اللواء محمد فريد حجاج من أبطال أكتوبر شارك فيها، وكان يروى لنا الكثير من صور البطولة عن زملائه من كل الرتب، وكان يروى لنا دائماً أن فى مصر رجالاً أشداء يهبون أنفسهم دائماً لحماية مصر،، أما خال والدتى فهو الراحل محمد توفيق عبد الفتاح الذى كان ضابطاً فى الجيش المصرى وعضواً فى تنظيم الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة ٢٣ يوليو١٩٥٢،، ومازلت أفتخر بأننى أنتمى لأسرة فيها ضباط جيش شجعان، أسرة فيها من قدموا الغالى والنفيس من أجل دعم الوطن فى كل المجالات.