رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تداعيات الثورة والانتماء الوطنى


لعل من أهم الآثار المترتبة على الثورة فى 25 يناير 2011 هو تدعيم الشعور بالوطن والإحساس بالمواطنة، حيث شهدت العلاقة بين الوطن والمواطن انفصاما خلقته نظم الاستبداد لسنوات ما قبل الثورة، وذلك بسبب الإمعان فى تهميش المواطن

الفرد، وانعدام الاهتمام به على أى مستوى من المستويات لدرجة أن حديث العوام كان دائما أبدا يكرر أن الإنسان الفرد ليس له قيمة تذكر فى وطنه الأصل، وامتد هذا الشعور بانعدام القيمة إلى المغتربين المصريين فى بلدان العالم بالخارج، حيث يشعر المصرى بالخارج بتضاؤل قيمته بالنظر إلى أقرانه من الجنسيات الأخرى بالخارج، وكان مصدر هذا الشعور أن الوطن الأم نفسه لا يقدر قيمة أبنائه ولا يعطى لهم وزنا.

وتعرضت بعض الفئات فى الوطن للتنكيل والتعذيب والإقصاء وامتد هذا الإقصاء إلى حد الإقصاء عن الوظائف المهمة، وكان مثلا لذلك جماعة الاخوان المسلمين، كما تطلق على نفسها هذه التسمية، وقد أدى ذلك إلى شعور جميع الفئات بالاضطهاد وبخاصة هذه الجماعة ومن كان على شاكلتها ممن نالوا حظا من الإقصاء والتنكيل والإبعاد، وقد ساعد هذا الشعور بالاضطهاد إلى تكريس الكراهية والحقد من جانب هذه الفئات ضد الوطن والمجتمع بأسره ولم تقتصر هذه الكراهية على النظام الحاكم بل امتدت إلى كل ما هو موجود بالمجتمع.

غير أن هذه المشاعر كان يجب أن تزول بمجرد قيام الثورة التى هدفت أساسا إلى صياغة حقوق الفرد وتعزيز أهميته، وإعادة الثقة بنفسه كضمانات أساسية لتحقيق الانتماء للوطن فلا يخفى على أحد أن الإنسان الفرد كلما شعر بأن حقوقة مصونه وحريته مكفولة وأهميته محل اعتبار المجتمع ساعد ذلك على تعزيز الانتماء الوطنى لدى الفرد للمستوى الذى به إلى حد الاستعداد أن يفتدى وطنه بكل ما يملك من طاقات.

ومعنى ذلك أن إحساس المواطن الفرد بأهميته داخل الوطن يرتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا بتعزيز الشعور بالانتماء ، ويترتب على ما سبق أنه إذا ما تم تأكيد هذا الارتباط لدى الفرد المواطن فإنه سوف يتجاوز لوطنه أى مقالب أو أخطاء قد تقع فى حقه كمواطن فرد، وذلك على اعتبار أن هذا الوطن يحتوى أهله وعشيرته، ومن ثم يتحمل فى سبيل ذلك أية مشكلات قد ترتد إليه من وطنه كإنسان فرد، كما أنه يتحمل أية أزمات أو محن قد تواجه الوطن وترتد آثارها نحوه، فإنه سيتحمل هذه الأزمات والمحن مهما كان من أمرها وذلك فى سبيل التطلع إلى النهوض بوطنه والارتفاع بمستواه، ولقد عبر الشاعر العربى عن هذا المعنى بقوله “ بلادى وإن جارت على عزيزة، وأهلى وإن ضنوا على كرام. غير أن الشاهد أن علاقة الانتماء قد شهدت صعودا وهبوطا لدى المواطنين فى الفترة الأخيرة، وتفسير ذلك أن علاقة الانتماء تفرض نمطا من التضحية فى سبيل تحقيق الأهداف العامة التى طمحت اليها الثورة المباركة، كما أنها تفرض شكلا من أشكال التنازلات إذا ما واجه هذا الوطن محنة أو أزمة.

ولعل أهم المطبات التى كشفت عن مستوى علاقة الانتماء الأحداث الأخيرة المرتبطة بما سمى بالإعلانات الدستورية، وبناء الدستور، واللجنة التأسيسية وما ارتبط بهذه الموضوعات من أشكال ومظاهر اتسمت بالعنف والعناد الذى يشير إلى انخفاض مستوى هذه العلاقة .

فإذا كان الوطن هو الأصل ومصلحته العليا هى سيدة الموقف، وإعلاء شأنها هو الهدف النهائى لدى كل الفئات فإن هذا العنف وذلك العناد كان لابد أن يختفى حتما.

والسؤال الجوهرى هل يمكن القول بأن الثورة أخفقت فى تعزيز عمليات الانتماء والولاء للوطن.

غير أن الإجابة عن هذا التساؤل تقع فى المسافة التى تظهر بين القبول والرفض للقرارات التى تصدر عن النظام الحاكم فى علاقتها بجماهير الشعب وتنوعاتها المختلفة، كما أنها تقع أيضا فى المسافة بين الأهداف الفئوية قصيرة المدى والأهداف البعيدة والعامة للوطن بصفة عامة.

إن الإحساس بعمومية الأهداف التى تخدم الوطن هى الغاية القصوى التى يمكن أن تجمع الشمل ولا يمكن أن يستقيم الانتماء ويتحقق دون شعور المواطن بأن الأهداف المعلنة إنما فى حقيقتها لخدمة جميع الفئات على اختلاف تنوعاتها وتبيناتها وليس قصرا على فئة بعينها.

■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.