رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بناء الدولة وأثر الحركات الشعبية فى التنظيم المؤسسى


تتميز الحركات الشعبية برغبة أكيدة نحو تحقيق المشاركة فى صناعة القرار وتدعيمه، ولعل الحافز الأساسى لظهور هذه الحركات هو الشعور بالإقصاء عن دوائر صناعة القرار أو الخوف من هذا الإقصاء.

كما أن فلسفة الثورات وأهدافها تنبع دائماً من الرغبة فى أن يكون للإنسان الفرد وزن وقيمة فى المجتمع، وأن يكون مشاركاً فى التخطيط لأهدافه وطموحاته، وإن لم تمكن الظروف من مشاركته مشاركة فعلية، فإن على الأطراف التى تمكنت من المشاركة أن تراعى طموحات وأهداف من لم يتمكنوا من تحقيق المشاركة.

غير أن الملاحظ فى مصر بصفة خاصة عقب الثورة المباركة فى 25 يناير أن الأساليب التى تتميز بالرغبة فى الإقصاء والإبعاد هى السائدة لدى الكثير من الفئات والائتلافات، وقد لا تكون هذه الرغبة مباشرة، أو قد لا تبدو بصورة سافرة واضحة، إنما قد تتميز فى كثير من الأحيان بشكل من أشكال التميز والتفوق على الآخرين والظهور بسمة الأعلى والأوحد.

ولعل المظاهر السابقة تمثل أخطر ما يعترى الاتجاهات الثورية من عثرات وعقبات وأكثر ما يعرقل الأهداف التى تنطلق منها مبادئ المشاركة.

وفى هذا الصدد يجب أن ننصح بقراءة واعية لتاريخ الثورات الناجحة فى العالم وأسباب نجاحها، وكذلك أسباب تأخر تحقيق إنجازاتها لأهدافها إذا كان هناك تأخر فى إدراك وتحقيق بعض الإنجازات التى كانت تهدف إليها تلك الثورات.

وقد يعترض البعض على أن الظروف والملابسات التى تقترن بكل ثورة قد تختلف عن مثيلتها وذلك بحسب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التى تميز دولة ما عن الأخرى، غير أن هذا الاعتراض قد لا يصبح له مكان إذا نظرنا على أنه مهما اختلفت سمات الشعوب وخصائصها فإن الهدف المعيارى للثورات واحد وهو الرغبة فى تحرير الإنسان الفرد من كل قيد، وأن تكون قيمة الإنسان الفرد أعلى قيمة فى المجتمع مهما كان من أمر مكانته الوظيفية أو وضعه فى السلم الاجتماعى.

ومن ثم فإن بناء الدولة عقب اندلاع الثورات يهدف أولا إلى الرغبة فى تحرير الإنسان الفرد وعدم استبعاده أو إقصائه من المنظومة الاجتماعية فى المجتمع الكبير.

وإذا شعر الناس أن هذا لم يتحقق عقب حدوث الثورات فإن الحركات الشعبية تتزايد وتظل فى حالة غليان دائم حتى يتحقق الهدف الأصيل من قيام الثورة.

ولعل هذا الغليان الذى يختفى وراء الحركات الشعبية يهدف فى النهاية إلى تحقيق تنظيم مؤسسى قوى يساعد على تحقيق أهداف الثورة فى الوصول إلى تحرير الإنسان الفرد وتقوية قدرته على المشاركة والمساعدة فى صناعة القرار الذى يحقق مصلحة الجميع من أفراد وجماعات وفئات على مختلف تنوعاتها وتبايناتها.

ويجب التنويه أن الحركات الشعبية التى تتوالى عقب الثورات تمثل اتجاها إيجابيا بالنسبة لهذه الثورات، من حيث إنها تشير إلى أن يقظة الشعوب مستمرة ودائمة، وفى حالة انتباه تام لأى انحراف قد ينحرف عن مسار الثورة وأهدافها، ولذلك النظرة السلبية لهذه الحركات قد لا تكون فى محلها، والتى قد ترى أن هذه الحركات الشعبية قد تعوق مسيرة الاستقرار وتؤدى إلى مزيد من التوتر والقلاقل.

إن الحركات الشعبية التى تهدف إلى كمال تحقيق الأهداف إنما تسعى إلى تحقيق الاستقرار وذلك إذا كانت تهدف إلى أن ترقى بمؤسسات الدولة لتكون تنظيمات فاعلة فى تحقيق طموحات الأفراد فى المجتمع أيا كانت توجهاتهم وانتماءاتهم.

ويترتب على ما سبق أن الحركات الشعبية المتمثلة فى التظاهرات والاحتجاجات هى جزء لا يتجزأ من أهداف الثورة التى تسعى فى النهاية إلى تقوية التنظيم المؤسسى بالدولة ومساعدته على تحقيق أهدافه التى رسمتها الثورة.

ولعل من أسمى هذه الأهداف هو تحقيق مبدأ الفصل بين سلطات هذه المؤسسات، إذ أن تحقيق هذا المبدأ يدعم ويقوى التنظيم المؤسسى لصالح المجتمع وصالح الأفراد فى الوقت ذاته.

ومن المعروف أنه لن يستطيع أحد يفتئت على مقدرات الشعوب مهما بلغت مقدرته وقدراته وتمكنه، لأن مقدرات الشعوب هى التى ستبقى فى النهاية لأنها تسعى للبقاء فى ظل أهداف الجموع لأهداف الأفراد والجماعات.

وتتميز الحركات الشعبية بصورها المختلفة من مظاهرات واحتجاجات واعتصامات بأن طموحاتها لا تتمركز فى الحاضر، وإنما دائما تتطلع إلى المستقبل على أمل أن تتحقق تطلعاتها فى هذا المستقبل، ولعل هذا يفسر أسباب الترقب للحاضر والنظر إليه بعين الاعتبار والتدقيق والتفحيص تحت سؤال جوهرى مؤداه: هل ما يحدث الآن فى الحاضر سوف يؤدى إلى تحقيق طموحات الشعب فى المستقبل؟ وهل تتابع الأحداث وتوليها سوف يقود أو ينتهى إلى النتيجة التى قامت من أجلها هذه الحركات الشعبية منادية بتحقيق آمالها وطموحاتها؟ ومن ثم كان منطلق الرقابة الشعبية على التصرفات التى تصدر بعد الحركات الاحتجاجية من حيث إنها تهدف لخلق حالة من استمرار الوعى لدى الشعوب حتى تتحقق أهدافها وطموحاتها، ومن ثم تكون الحركات الثورية أثمرت وأنتجت آثارها المرجوة، ولذلك يثبت القول المأثور أن الشعوب هى الأبقى و الأدوم.

■ العميد الأسبق لكلية التربية - جامعة الأزهر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.