رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تخطيط للمستقبل.. المشروعات القومية الكبرى ترفع ترتيب مصر العالمى فى شبكات الأمان الغذائى والبنية التحتية الزراعية

مشروعات زراعية
مشروعات زراعية

يتصدر ملف الأمن الغذائى أولويات القيادة السياسية خلال المرحلة الراهنة، فى ظل تحديات محلية ودولية، ويأتى فى مقدمة أهداف التنمية المستدامة العالمية، متمثلًا فى هدف القضاء التام على الجوع لتحقيق الأمن الغذائى، لذا يسعى مختلف أجهزة الدولة إلى وضع السياسات واتخاذ التدابير التى تسهم فى الحد من انعدام الأمن الغذائى.

وقطعت مصر شوطًا طويلًا على طريق تعزيز أمنها الغذائى؛ بفضل المشروعات القومية الكبرى فى مجال استضلاح الأراضى وتوسيع الرقعة الزراعية أو الاستزراع السمكى، وتطهير المصارف وتقليل الهدر والفقد المائى، وغيرها من المشروعات التى تخدم بشكل أساسى هدف تعزيز الأمن الغذائى، وخفض فاتورة الواردات وزيادة تغطية الطلب المحلى من خلال الإنتاج الوطنى. 

توسع فى زراعة القمح والفول واكتفاء من الخضر والفاكهة ووفرة فى إنتاج الأسماك

وفقًا لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، سجل الاكتفاء الذاتى نسبًا جيدة للعديد من السلع كالخضروات والفاكهة والأسماك والدواجن والبيض، ونسبًا متدنية للقمح، والذرة الشامية والفول والعدس، والزيوت النباتية واللحوم الحمراء.

وتعد السلع النباتية المصدر المكون الرئيسى لغذاء المصريين، نظرًا لانخفاض أسعارها مقارنة بأسعار المنتجات الحيوانية، وبالتالى فالنمط الغذائى لمعظم المصريين غير صحى، وتترتب عليه زيادة مستويات الوزن والبدانة، مصحوبة بالعديد من الأمراض المرتبطة بالأنماط الغذائية غير الصحية.

وعلى صعيد المجموعات الغذائية النباتية، نجد أن مجموعة الحبوب تمثل مساحتها نحو ٤٦٪ من إجمالى المساحات المزروعة والمقدرة بنحو ١٦.٤ مليون فدان حتى عام ٢٠٢١، بكمية إنتاج بلغت ٢٢.٨ مليون طن خلال العام نفسه، وبصفة عامة بلغ متوسط إنتاج مجموعة الحبوب خلال الفترة من ٢٠١٥ -٢٠٢١ نحو ٢٢.٥ مليون طن.

ويعد القمح والأرز والذرة الشامية من أهم محاصيل الحبوب، فقد تزايد الإنتاج المحلى للقمح من نحو ٩.٦ مليون فدان فى عام ٢٠١٥ إلى ٩.٨ مليون فدان فى عام ٢٠٢١ بمعدل زيادة بلغ ٢.١٪، بينما تناقص إنتاج كل من الأرز والذرة الشامية بمعدل بلغ ٧.٨٪ و٢.٨٪ على الترتيب خلال الفترة ذاتها، نتيجة تناقص المساحات المزروعة من الأرز بنحو ٨.٣٪ ومن الذرة الشامية بنحو ٤٪.

أما مجموعة البقوليات، فتضم العديد من المحاصيل، أهمها الفول البلدى والعدس، وتشير البيانات إلى تزايد إنتاج الفول من نحو ١٢٠ ألف طن فى عام ٢٠١٥ إلى نحو ١٧٠ ألف طن فى عام ٢٠٢١، بينما ظل إنتاج العدس ثابتًا عند نحو ألف طن، وبصفة عامة تزايد إنتاج مجموعة البقوليات بمعدل بلغ ٢١٪ خلال فترة المقارنة ذاتها.

وتمتلك مصر ميزة نسبية فى إنتاج معظم حاصلات الخضر والفاكهة، فقد بلغ متوسط إنتاج مجموعة الخضر نحو ٢٠.٦ مليون طن، ومجموعة الفاكهة نحو ١١.٦ مليون طن، وبصفة عامة تتجاوز نسب الاكتفاء الذاتى لمجموعة الخضر ومجموعة الفاكهة نحو ١٠٠٪.

فى حين سجلت مجموعة المحاصيل الزيتية زيادة فى إنتاجها من نحو ٣١٦ ألف طن لـ٣٣٧ ألف طن بمعدل نمو بلغ ٦.٦٪، وتزايد إنتاج المحاصيل السكرية من ٢٧.٨٨٦ ألف طن لـ٣٠.٠٥٥ ألف طن بمعدل نمو بلغ ٧.٨٪.

ويختلف الوضع إلى حد ما فى مجموعة اللحوم الحمراء، نظرًا لوجود تناقص تدريجى فى إنتاج اللحوم الحمراء من ٩٧٥ ألف طن فى عام ٢٠١٥ إلى ٥١٢ ألف طن فى عام ٢٠٢١ بمعدل تناقص بلغ ٤٧.٥٪.

ويعزو ذلك للعديد من العوامل، التى منها تراجع معدل نمو حيوانات إنتاج اللحوم، وارتفاع معدلات النفوق نتيجة ضعف المناعة والتعرض لأمراض خطيرة منها الحمى القلاعية، كما أن غياب المراعى الطبيعية الواسعة أسهم فى محدودية إنتاج الثروة الحيوانية بصفة عامة فى مصر.

وبالنسبة لمجموعة اللحوم البيضاء والأسماك، سجل إنتاجهما تزايدًا بمعدل بلغ ٧١.٧٪ فى اللحوم البيضاء، ونحو ٣٢٪ للأسماك، ويرجع الارتفاع فى الإنتاج السمكى خلال الآونة الأخيرة لتنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى، مثل مشروع بركة غليون، ومشروعات الاستزراع السمكى فى قناة السويس الجديدة، فضلًا عن مشروعات تطهير البحيرات الشمالية واستعادتها من جديد، وارتفع أيضًا إنتاج البيض بنحو ٧٪، والألبان ومنتجاتها بنسبة ٥٢٪.

استنباط سلالات محاصيل عالية الإنتاج وزيادة السعة التخزينية لصوامع الغلال

فى سياق تعزيز الأمن الغذائى، تستهدف وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، العمل على زيادة المساحات المزروعة من المحاصيل الاستراتيجية خلال عام ٢٠٢٤/٢٠٢٥، لتصل إلى ٣.٥ مليون فدان فى حالة القمح، ٢.٨ مليون فدان فى حالة الذرة، ٢٢٠ ألف فدان فى حالة الفول البلدى، ولترتفع إنتاجية هذه المحاصيل الثلاثة، ما يسمح بتقليل الفجوة الغذائية والحد من الواردات الزراعية، ومع استهداف التوسع فى السعات التخزينية لصوامع الأقماح لتصل إلى ٥.٢ مليون طن فى عام الخطة مقابل نحو ٣.٩ مليون طن فى عام ٢٢/٢٠٢٣.

كما تخطط إلى إضافة ٧٥٠ ألف فدان خلال العام المقبل ٢٠٢٤/٢٠٢٥ ليصل إجمالى الـمساحات الزراعية لنحو ١٠٫٧ مليون فدان مقابل ١٠ ملايين فدان فى عام ٢٢/٢٠٢٣، اعتمادًا على استصلاح واستزراع الأراضى الجديدة فى الـمناطق الصحراوية الـممتدة أو الظهير الصحراوى للتجمعات العمرانية القائمة أو الجديدة، ورفع نسب الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة والزيوت النباتية، والمحاصيل ذات الميزة التنافسية التصديرية كالخضر والفاكهة.

أيضًا استنباط سلالات محاصيل عالية الإنتاجية، وتطبيق نظم الرى الموفرة لاستخدامات المياه، إضافة إلى التوسع فى نظام الزراعة التعاقدية، والزراعات العضوية.

ويواجه الأمن الغذائى فى مصر مجموعة من التحديات سواء داخلية، مثل زيادة عدد السكان، محدودية الموارد المائية، وتفتت الحيازات الزراعية، وارتفاع أسعار السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج، وعدم قدرة الدولة على زيادة الاكتفاء الذاتى من بعض السلع، وارتفاع كميات الفقد والهدر فى الغذاء، وأخرى خارجية مثل: تداعيات التغيرات المناخية، واستمرار تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، وتراجع النمو الاقتصادى العالمى، فضلًا عن تداعيات الأزمة السودانية.

ونتيجة لما سبق، تقع مصر وفق مؤشر الأمن الغذائى العالمى فى المستوى المعتدل للأمن الغذائى ونسبيًا يعد مستوى غير جيد، حيث إنها تأتى فى بداية المستوى المعتدل فقد حصلت على ٥٦ نقطة، وبالتالى يقترب مستوى الأمن الغذائى لمصر من المستوى الضعيف.

وعلى مستوى المؤشرات الرئيسية الأربعة المكونة لمؤشر الأمن الغذائى العام، يلاحظ تقدم ترتيب مصر فى مؤشرات الإتاحة، وجودة الغذاء وسلامته، والاستدامة والتكيف، بينما تراجع ترتيبها على مؤشر القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، من المركز ٦٢ لـ ٦٦ فى عام ٢٠٢٢، وسجل بعض المؤشرات الفرعية نقاط قوة بمستوى جيد جدًا مثل: مؤشر برامج شبكات الأمان الغذائى، ومؤشر البنية التحتية للمزرعة، ومؤشر تقلب الإنتاج الزراعى، ومؤشر إدارة مخاطر الكوارث.

كما تقع مصر، أيضًا، ضمن المستوى المعتدل للجوع، وفق مؤشر الجوع العالمى، خلال الفترة بين ٢٠١٥ و٢٠٢٢، حيث تحتل مصر المرتبة ٥٧ عالميًا من أصل ١٢١ دولة على مستوى العالم عام ٢٠٢٢ برصيد ١٢.٣ من أصل ١٠٠ نقطة، وكلما اقتربت النقاط من الصفر كان ترتيب البلد أفضل. 

السيطرة على ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج والتوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية 

قالت الدكتورة سحر البهائى، أستاذة الاقتصاد الزراعى بمعهد التخطيط القومى، إن تحقيق الأمن الغذائى لمصر من خلال الاعتماد على الواردات الغذائية يعد أحد الحلول المؤقتة وليست المستدامة.

وشددت على ضرورة تأمين مخزون استراتيجى غذائى مستدام، وتحقيق استدامة للنظم الغذائية، والاعتماد على سياسة إحلال الواردات، وذلك خلال المدى القصير والمتوسط.

وأضافت أن الحلول على المدى الطويل تتطلب تشكيل مجلس تحت مسمى المجلس الأعلى للأمن الغذائى، يترأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه رئيس مجلس الوزراء فى الاجتماعات وآليات العمل والمتابعة وجميع الأمور المرتبطة بطبيعة عمل المجلس، وتتألف عضويته من الوزراء المعنيين والمحافظين، ويختص نطاق عمله بإعداد استراتيجية مستقلة للأمن الغذائى، والإشراف على تنفيذها، ومراجعة التشريعات المعنية بالغذاء قبل اعتمادها، واقتراح الإجراءات والآليات المعنية بتعزيز الأمن الغذائى للدولة، إضافة إلى تحديد أجندة الاستثمار فى منظومة الغذاء، ودراسة المخاطر المعنية بتأثير التحديات الداخلية والخارجية، على منظومة الأمن الغذائي، ومتابعة وضع مصر فى المؤشر العالمى.

وأوضحت أن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج واحد من أخطر التحديات على منظومة الأمن الغذائى فى مصر، التى تخطت الـ٢٠٠٪ فى بعضها، كالأسمدة الفوسفاتية، الأسمدة الأزوتية، البوتاسية، والوقود السائل «بنزين وكيروسين وسولار»، بينما ارتفعت بنسبة أقل المبيدات الزراعية والأمونيا.

ونوهت إلى مشكلة تفتت الحيازة الزراعية، خاصة أن أكثر من ٨٥٪ من الملكية الزراعية فى مصر عبارة عن حيازات أقل من ٤ أفدنة، فضلًا عن انخفاض الموارد المائية بسبب أزمة سد النهضة.

وتابعت: «تشير إحدى الدراسات إلى العديد من الآثار السلبية للسد وفقًا لثلاثة سيناريوهات، حيث يتوقع انخفاض حصة مصر التاريخية من ٥٥.٥ مليار م٣ إلى نحو ٤٤.٣ مليار م٣ كمتوسط للسيناريوهات الثلاثة، كما يتوقع خفض المتاح من الموارد المائية من ٨٠ مليار م٣ إلى ٦٨.٨ مليار م٣ كمتوسط للسيناريوهات الثلاثة، وانخفاض كل من كمية المياه المستخدمة للزراعة من ٦١.٤ مليار م٣ إلى نحو ٥٢.٨ مليار م٣، والمساحة المحصولية بمقدار ٦٥٣.٤ ألف فدان».

وشددت على ضرورة إعطاء أولوية لسياسة إحلال الواردات وذلك من خلال زيادة الإنتاج المحلى كبديل للواردات، ويطبق ذلك على القمح والسلع الاستراتيجية الأخرى، لحماية السوق المحلية والمستهلك المصرى من تقلبات أسعار السلع العالمية، عن طريق توسيع الرقعة المزروعة بهذه السلع ولو على حساب الزراعات الموجهة للتصدير.

وأشارت إلى أهمية تحديد أسعار جميع المحاصيل الزراعية قبل زراعتها بتوقيت مناسب، ما يتماشى مع الأسعار العالمية للمحاصيل الزراعية لتحقيق هامش ربح مناسب للمزارعين، خاصة المحاصيل الاستراتيجية مثل فول الصويا، الذرة واستننباط تقاوى محسنة لإنتاج الأعلاف لتخفيف الضغوط على صناعة الدواجن وأسعارها وتقليل الاستيراد.

كما أكدت أهمية تنفيذ إجراءات على المدى البعيد لمتابعة تأمين المخزون الاستراتيجى للسلع الأساسية على مستوى الجمهورية، عن طريق بناء نظام متكامل على مستوى كل محافظة لتحديد فجوات أو فوائض الاستهلاك وبالتالى ضمان التغطية الشاملة لمتطلبات الاستهلاك.