رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصف صفقة التهدئة!

الأنباء الإيجابية عن التقدم فى صفقة تهدئة، من شأنها أن توقف العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، قطعتها رشقات صواريخ، أطلقتها حركة «حماس» على معبر كرم أبوسالم، عدّها جيش الاحتلال «تذكيرًا عنيفًا بحضور الحركة وقدراتها العملية فى رفح»، واتخذها ذريعة، أو «تلكيكة»، لتنفيذ تهديده أو مخططه، باجتياح الملاذ الأخير لمليون ونصف المليون فلسطينى، بينما لا تزال مصر تواصل اتصالاتها مع جميع الأطراف، لمنع تفاقم الأوضاع أو خروجها عن السيطرة.

وسائل إعلام عبرية قالت إن القوات الإسرائيلية بدأت إجلاء المدنيين من مدينة رفح الفلسطينية، لافتة إلى أن عملية الإجلاء، أو الإخلاء، ستشمل حوالى ١٠٠ ألف فلسطينى. ولوكالة «رويترز»، قال شهود عيان إن الآلاف غادروا أطراف المدينة. ورأى نبيل أبوردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلى «بدأت فعليًا التمهيد لارتكاب أكبر جريمة إبادة جماعية باجتياح رفح»، مطالبًا الإدارة الأمريكية بالتحرك فورًا، فى حين كان وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يواصل محادثاته فى العاصمة القطرية الدوحة، بعد أن كان من المقرر أن يغادرها، أمس الإثنين، إلى إسرائيل!

مجددًا، ربما للمرة المائة، حذّرت مصر، من مخاطر العملية العسكرية الإسرائيلية المحتملة بالمنطقة الواقعة جنوبى قطاع غزة، لما ينطوى عليه هذا العمل التصعيدى من مخاطر إنسانية بالغة. وفى بيان أصدرته وزارة الخارجية، طالبت الدولة المصرية إسرائيل بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب المزيد من التصعيد، فى هذا التوقيت بالغ الحساسية فى مسار مفاوضات وقف إطلاق النار، وحقنًا لدماء المدنيين الفلسطينيين، الذين يتعرضون لكارثة إنسانية غير مسبوقة منذ بدء الحرب على قطاع غزة. 

قبل بيان الخارجية المصرية بساعات قليلة، اتهم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، حركة «حماس» بأنها «تحبط كل صفقة بعدم ابتعادها قيد أنملة عن مطالبها المتطرفة، التى لا يمكن لأى حكومة فى إسرائيل أن تقبلها». وبعد ساعات من تعليمات جيش الاحتلال للفلسطينيين بإخلاء مناطق من مدينة رفح، والتوجه إلى «المنطقة الإنسانية الموسعة فى المواصى»، أعلن الدفاع المدنى والهلال الأحمر فى قطاع غزة، عن أن طائرات إسرائيلية قصفت منطقتين فى رفح سبق أن طلب الجيش الإسرائيلى، صباحًا، من السكان إخلاءهما، فيما بدا أنه استعداد للاجتياح البرى الذى تهدّد به الحكومة الإسرائيلية منذ فترة.

منذ بداية ذلك التهديد، لم تتوقف مصر عن التحذير من عواقب تلك الخطوة، وكررت أمام «قمة بانجول» الإسلامية، السبت الماضى، تحذيرها من إقدام إسرائيل على آخر ملاذات الفلسطينيين، وطالبت، مجددًا، بوقفة حاسمة ضد أوهام تصفية القضية الفلسطينية، عبر التهجير القسرى للفلسطينيين، مؤكدة أن الشعب الفلسطينى الأبى الصامد على أرضه، وإلى جواره الشعوب الإسلامية والعربية وشعوب العالم الحر، «لم ولن تقبل بخروج أصحاب الأرض من أرضهم المحتلة بالمخالفة للمواثيق الدولية كافة».

اللافت، هو أن حركة حماس أكدت جاهزية المقاومة الفلسطينية للتصدى للهجوم الإسرائيلى المحتمل، ونددت بالخطوات الإسرائيلية بوصفها تظهر «إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على المضى قدمًا فى الإبادة وتهربه من استحقاقات أى اتفاق»، داعية المجتمع الدولى إلى «التحرك العاجل لوقف هذه الجريمة، التى تهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين العزّل»، كما طالبت المنظمات والهيئات الإنسانية، وعلى رأسها «أونروا»، بالبقاء فى أماكنها فى مدينة رفح وعدم مغادرتها. فى حين كان يجرى إجبار آلاف الفلسطينيين على النزوح إلى «المواصى»، التى تقع على الشريط الساحلى للبحر المتوسط، وتمتد على مسافة ١٢ كم وبعمق كيلومتر واحد، والتى وصفها جيش الاحتلال بـ«المنطقة الإنسانية الموسعة»، مع أنها تفتقر للبنى التحتية والصرف الصحى والكهرباء.

.. أخيرًا، وفى ظل هذا المشهد الكارثى، شديد التعقيد، لا تزال مصر تواصل اتصالاتها، على مدار الساعة، مع جميع الأطراف، لمنع تفاقم الأوضاع أو خروجها عن السيطرة. كما لا يزال المفاوض المصرى، حتى كتابة هذه السطور، يحاول إنقاذ صفقة التهدئة، ورتق ما بدا أن حركة حماس تحرص على توسيعه، والذى نتمنى ألا يكون قد اتسع على الراتق.